[المهمشون في التاريخ الإسلامي]
المؤلف/ المشرف:محمود إسماعيل
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:رؤية - القاهرة ̈بدون
سنة الطبع:٢٠٠٤م
تصنيف رئيس:تاريخ
تصنيف فرعي:تاريخ - مراجعات ودراسات
يستخلص مما سبق أن العوام والمهمشين الذين صنعوا التاريخ الإسلامي قد همشوا من قبل الحكام الذين سرقوا هذا التاريخ ونسبوه إلى أنفسهم، بفضل مؤرخي البلاط. كما همشوا –بالمثل- من قبل الدارسين المحدثين الذي استقوا مادتهم العلمية من الحوليات الرسمية ليس إلا، وأغفلوا المظان الحقيقية لتاريخ العوام، لجهل بها أو نتيجة نظرة استعلائية صرفتهم أصلا عن التاريخ للعوام.
وقد أثبتت الدراسة عدة حقائق هامة، نوجزها فيما يلي:
أولا: كثرة وتعدد حركات العوام والمهمشين لتشمل سائر عصور التاريخ الإسلامي، وعلى صعيد العالم الإسلامي بأسره.
ثانيا: خفوت صوت هذه الحركات خلال العصور القليلة التي شهدت نوعا من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بينما تعاظمت هذه الحركات والانتفاضات إبان عصور القلاقل والفوضى السياسية، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بما يشي بكون هذه الحركات رد فعل طبيعي ومنطقي لسياسات فاشلة، الأمر الذي يكشف عن البعد الاجتماعي لهذه الحركات.
ثالثا: من الصعب، ومن الخطأ العلمي وسم بعض هذه الهبات والانتفاضات بأنها ثورات، وذلك لافتقارها في الغالب الأعم إلى الإعداد والتنظيم. فكانت أشبه بحركات تلقائية عفوية ومجانية، أكثر منها ثورات منظمة ذات أهداف ومقاصد محددة، وإيديولوجيات ثورية، وقيادات واعية.
رابعا: يرجع هذه القصور الذي يمكن اختزاله في مقولة ضعف الوعي الطبقي والضبابية السياسية، إلى غياب دور الطبقة البورجوازية المنوطة تاريخيا بإحداث التحولات الثورية الشاملة.
خامسا: أن تقاعس البورجوازية عن الاضطلاع بهذا الدور يرجع إلى كونها بورجوازية تجارية في الأساس، فكانت لذلك بورجوازية جنينة عاجزة وهزيلة دافعت عن وجودها والحفاظ على مصالحها، بمهادنة الحكومات القائمة وليس بالثورة عليها وتقويض حكمها.
سادسا: يعود هزال البورجوازية إلى عوامل جغرا – تاريخية تتعلق بطبيعة المجتمعات الإسلامية الزراعية الرعوية أساسا، فلم تتخلق طبقة وسطى قوية وقادرة على الصراع ضد الإقطاع العسكري، بل هونت من هذا الصراع وخففت من حدته، الأمر الذي أتاح للنظم القائمة الدوام والاستمرار، خصوصا بعد حسم الصراع لصالح الإقطاع حول منتصف القرن الخامس الهجري.
سابعا: أن تفاقم المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية في ظل النظم الإقطاعية العسكرية أفضى بالضرورة إلى ردود فعل مضادة تبناها العوام من الفلاحين والحرفيين والبطالين والأرقاء. وهي شرائح مهمشة ضئيلة الخبرات، الأمر إلى أفضي إلي فشل انتفاضاتها العفوية في النهاية.
ثامنا: تأدلج بعض هذه الحركات بالتصوف الطرقي التهويمي في أغلب الأحيان، أو بإيديولوجيات هرطقية، جعلت الفقهاء يتصدون لها ويقفون إلى جانب السلطة والبورجوازية التجارية العليا لمواجهتها ودحرها.
تاسعا: نجم عن ضعف الوعي الطبقي، وضآلة الخبرة السياسية، وجبروت السلطات العسكرية، أن تحولت الكثير من انتفاضات العوام إلى الأساليب التخريبية والسلب والنهب، الأمر الذي افقدها مؤازرة قطاعات عريضة من الطبقات العاملة نفسها.
عاشرا: برغم هذه السلبيات والنقائص التي شانت انتفاضات العوام والمهمشين، إلا أنها نجحت في تعرية النظم الحاكمة ومن دار في فلكها من فقهاء السلطة وشرائح البورجوازية التجارية. وأرغمت الحكومات أحيانا على التخفيف من غلواء سياساتها المشتطة، بل والقيام ببعض الإصلاحات في أحيان أخرى.
ونظرا لميوعة الصراع الطبقي –نتيجة عوامل قبلية وعنصرية ودينية –فقد قدر للعوام والمهمشين النجاح- في أحيان قليلة- في الوصول إلى الحكم عن طريق تأسيس كيانات سياسية ذات طابع جمهوري-إشتراكي، ما لبثت أن سقطت نتيجة غياب الوعي السياسي وقوة النظم الإقطاعية المدججة بالسلاح.
أخيرا، عبرت مراهنة المعارضة في التاريخ الإسلامي عن خلل دائم ومستمر في بنية هذا المجتمع، لا زالت أصداؤه قائمة إلى الآن مما أكسب السلطات الحاكمة القدرة على البقاء والاستمرار، وحكم على حركات المعارضة بالشلل والعجز والقصور.
تلك دروس وعبر جرى استخلاصها نتيجة استقراء التاريخ الإسلامي، فهل يمكن أن نستوعبها ونفيد منها في تحريك عجلة هذا التاريخ البائس قدما وإلى الأمام؟