للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام]

المؤلف/ المشرف:أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:بدون ̈بدون

سنة الطبع:بدون

تصنيف رئيس:فقه

تصنيف فرعي:إجارة

الخاتمة

في ذكر نبذ من المذاهب الثلاثة وغيرها فيما مر من الرشوة والهدية

فأما مذهب الحنفية:

فالذي رأيته عنهم: أن القاضي لا يقبل إلا من ذي رحم محرم، أو ممن اعتاد مهاداته قبل القضاء، ورأيت عن محمد بن الحسن – رضي الله عنه – أنه لو بعث ملك العدو لأمير الجند هدية: جاز قبولها، وتصير فيئا للعسكر كلهم؛ لأن الإهداء ليس بمنعته، بل لمنعة المسلمين، فله أن يعوض من الغنيمة إن رآه مصلحة، وروى:

(أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يقبل هدية المشركين)، ثم ردها لما ظهر من مجاوزة الحد في طلب العوض، وإنما كانت الهدية له – صلى الله عليه وسلم – خاصة به؛ لأن النصرة به مع عصمته كما قال – تعالى -: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧].

ولو أهدى لبعض أهل العسكر اختصت به؛ لأنها لمحض مودته، أو لقوته في نفسه لا باسم أتباعه، إذ لا أتباع، ومن ثم جاز الإهداء لنحو المفتي والواعظ؛ لأنه بمعنى فيه – خاصة – لا الحاكم؛ لأنه لولايته من الإمام أو نائبه، وكل منهما نائب عن المسلمين كما مر، وسبق: (هدايا الأمراء غلول) – أي: حبسهم ذلك لأنفسهم بمنزلة الغلول منهم، والغلول: اسم خاص بما يؤخذ من المغنم، فعرفنا أنه بمنزلة الغنيمة وتخصيص الأمير بذلك دلنا على أن مثله في حق الواحد من عرض الناس ليس غلولا.

وفي خبر: (فهلا جلس في بيت أبيه وأمه) إشارة لما قلناه، وجاء: أن عمر استعمل أبا هريرة – رضي الله تعالى عنهما – على العراق، فجاء بمال، فقال له: سرقت مال الله؟ قال: لم أسرق مال الله، ولكن (خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، سهامي اجتمعت) فلم يلتفت لقوله، وأخذه فجعله في بيت المال.

ولذلك لو بعث الخليفة عاملا فأهدي له؛ فإن علم الخليفة أنه أهدي له طوعا: أخذه منه لبيت المال، أو كرها: رده لأهله – إن وجدوا، وإلا عزله في بيت المال حتى يأتوا كاللقطة. وبهذا الطريق رد عمر بن عبد العزيز – حيث استخلف – ما في بيت المال؛ لأنه علم أن من قبله من المروانية أخذوها بالإكراه.

ولو أهدي أمير عسكرنا لملكهم فعوضه مثله: فاز به، أو أزيد منه – بما لا يتغابن به – فالزائد للعسكر – كما فعله عمر – رضي الله تعالى عنه – لما أهدت امرأته لامرأة ملك الروم، فكافأتها بأزيد، فوضع الزائد في بيت المال، فكلمه ابن عوف، فقال: مر زوجتك لتهدي إليها، وانظر هل ترد إليها مثل ذلك) أي: أن الزيادة لأجل الخليفة فحسب.

ولو أرسل أمير عسكرنا رسوله لملكه في حاجة فأجازه فهي له، لأنها للرسول للمودة لا لرغبة ولا رهبة، وكذا لو أهدى الرسول له فكافأه ولو بأضعافها). انتهى ملخصا. وقوله: (إنه – صلى الله عليه وسلم – قبل هدية المشركين)، رده أبو عبيد القاسم بن سلام بأن الذي تواترت به الأخبار: أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يقبل هدية مشرك محارب. وقال في الدنانير التي وصلت إليه من قيصر وهو بتبوك وجعلها فيئا -: لو كانت هدية ما قبلها، وفي الخبر: إنا لا نقبل زبد المشركين أي: رفدهم – كما في الرواية الأخرى (إنا لا نقبل هدية مشرك).

وقبوله – صلى الله عليه وسلم – لهدية أبي سفيان – رضي الله تعالى عنه – محمول على أنه كان في زمن الهدنة التي بينه وبين أهل مكة قبل فتحها، ولهدية المقوقس؛ لإقراره بنبوته، ولم يؤيسه من إسلامه، وكذا الأكيدر.

قال الخطابي: وخبر (إنا لا نقبل زبد المشركين) يشبه أن يكون منسوخا؛ لأنه قبل هدية غير واحد منهم كالمقوقس والأكيدر والحاصل: أن في حد قبول هدية المشركين أربعة أقوال:

كان ممنوعا ثم نسخ منعه، وهذا رأي الخطابي.

يتخير وهو قول الحنفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>