[إبراء الذمة من حقوق العباد]
المؤلف/ المشرف:نوح علي سلمان
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار البشير - عمان ̈الأولى
سنة الطبع:١٤٠٧هـ
تصنيف رئيس:فقه
تصنيف فرعي:فقه معاملات - أعمال منوعة
الخاتمة
بعد أن وصلت إلى نهاية المطاف في هذا البحث، وعالجت المسائل المتعلقة به، أسجل في هذه الخاتمة أمورا استخلصتها من بحثي، ووقفت عليها من خلال معالجتي للمسائل المختلفة.
إن على المسلم أن يرجع إلى الفقهاء في كل تصرف يقدم عليه، ليبنوا له ما يترتب له وعليه من حقوق؛ بسبب هذا التصرف، إلا أن يكون عالماً بالأحكام الفقهية، وإلا خشي عليه أن يترتب في ذمته حق لله تعالى، أو للعباد. وهو لا يدري، فيلقى الله تعالى مثقلاً بالذنوب وبحقوق الناس يطالبونه بها، ويستوفون من حسناته في يوم هو أحوج ما يكون فيه إلى الحسنات.
وإذا كان الإنسان يراجع الطبيب بين الحين والآخر ليطمئن على صحته – ولا يغني عنه من أمر الله شيئا – فإن عليه أن يراجع علماء الفقه؛ ليطمئن على سلامة دينه، وبراءة ذمته من حقوق الآخرين.
٢ – إن الرسائل التي تقدم لنيل الدرجات العلمية يبذل فيها من الجهد ما لا يبذل في غيرها، وتكتب بإشراف علماء مشهود لهم بالعلم، وتناقش من قبل أهل العلم المتخصصين، وهذه كلها ظروف توفر للبحث ما يستحقه من التحقيق، والمقارنة، والموضوعية، فينبغي أن تستغل في بحث الأمور التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم العملية وما جد من قضايا لم تكن معروفة من قبل.
٣ - إن الجهد الذي بذله الفقهاء من سلفنا الصالح لا يعرف قدره إلا من اطلع على مؤلفاتهم، وتتبع بحثهم للمسائل، ومعالجتهم للقضايا، فرأى طلبهم للحق، وتجردهم في البحث، والتزامهم بالقواعد الصحيحة للبحث، واحترامهم لرأي غيرهم، ولطفهم في الرد على الآراء المخالفة، وذكاءهم في التمييز بين المتشابهات، وسعة اطلاعهم في توجيه الآراء، ودقة الاستنباط وإبراز الفروق الدقيقة بين المسائل المتشابهة، كل هذا مع التواضع، واستقلال العمل في جانب الله، وواجب خدمة الدين.
٤ - ومن النقطة السابقة يظهر أن الذين يطعنون على المذاهب لاختلاف آرائهم ينظرون إلى الموضوع من بعيد ولو مارسوا البحث في المسائل الفقهية، وتتبعوا مسالك الفقهاء في استنباط الأحكام، لعذروهم، وعرفوا أن تعدد الآراء دليل على حريتهم في البحث، وطلبهم للحق، وبعدهم عن التقليد بلا دليل، وأن من إعجاز القرآن، وعظمة المنة أن يُفهم من النص الواحد عدة أحكام، وتختلف الآراء باختلاف البيئات والثقافات والعقول، فما يناسب بيئة لا يناسب أخرى، وما يناسب زماناً لا يناسب آخر، والموضوعات التي وقع فيها الخلاف مواضيع فرعية تعالج قضايا الناس المتجددة والمتنوعة، أما الأصول والعقائد فثابتة لا مجال للخلاف حولها.
٥ – إن البعض يظن أنه لو ثبت النص لانتفى الخلاف وهذا أيضا قول من لا خبرة له، فالقرآن الكريم ثابتة نصوصه بالتواتر ولله الحمد، ومع هذا اختلفت العقول في فهم النص.
وإثبات النصوص ليس أمراً سهلاً، فهو كثيراً ما يرجع إلى الحكم على سيرة شخص، وهذا مجال يكثر فيه الخلاف، ولو اتفق على هذه النقطة فإنك لا تجد النصوص التي تحكم في كل مسألة، فالأحاديث الواردة في باب المعاملات أقل بكثير من الواردة في موضوع العبادات فلابد من الاجتهاد في فهم النص؛ لتوسيع نطاقه بالقياس، والحكم على المسائل بالقواعد العامة في الشريعة، ولو أنهم بدؤوا بحثهم في أبواب المعاملات لوقفوا على هذه الحقيقة بسهولة، ولكنهم بدؤوا من باب العبادات فطالعتهم النصوص الكثيرة فظنوا الأمر هكذا في كل أبواب الفقه.