خاتمة المطاف: الإسلام ديانة التوحيد، فمعبود المسلمين واحد، وجوهر الإسلام واحد، والديانة واحدة، والملة واحدة، والأمة واحدة، قال الله عز وجل:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[سورة الأنبياء:٩٢]، إذن فلماذا هذا التفرق والاختلاف في أمهات الأمور، وخصوصاً في العقائد. والقرآن الكريم يعلنها بآيات بينات واضحات محكمات هن أم الكتاب بلسان عربي مبين: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[سورة النساء:١٣٦]، وقال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[سورة القمر:٤٩]، فالآيتان تفصحان عن أركان الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى.
وبعد هذا البيان الواضح المحكم الذي تنزيله تأويله هل يسوغ لأحد أن يدعو تجزئة أو فرقة؟!
فيم التفرق والإسلام دينكم ... وأنتمُ يا عباد الله إخوانا.
وإذا ما رجعنا إلى الجولة التي جعلناها بين الفرق الإسلامية نجد أن أكثر الفرق المتطرفة قد اندثرت. ولم يبق منها أثر إلا في ثنايا التاريخ. وإن كان قد بقي منها بعض الأفكار في عقول الرجعية من الناس السذج البسطاء. فقد ولت الأزارقة والنجدات، والبيهسية، والصفرية والصالحية وغيرهم من الخوارج، ولم يبق منهم إلا الإباضية، الذين ينتمون إلى عبدالله بن إباض. وعند الكلام عليه وعلى أتباعه لم نجد عندهم أي تطرف. وقد حافظوا على تعاليم الإسلام الحقة؛ بل إنهم يكرهون من ينسبهم إلى الخوارج.
والمذاهب البائدة من الشيعة كثيرة مثل السبئية والكيسانية والمغيرية. ولم يبق منهم إلا الإمامية. والزيدية، والإسماعيلية، والعلوية والدروز. وأما المعتزلة فقد اندثرت فرقتهم كمذهب قائم بذاته. فإذا خلصت النيات، وصفت القلوب، وحكم العقل يمكن الجمع بين أكثر هذه المذاهب الإسلامية إن لم نقل بين جميعها. فالثقافات عمت سائر الأرجاء، وقد بزغ الصبح لكل ذي عينين. فنحن الآن أحوج إلى التآلف والتآزر من أي وقت مضى. لاسيما وقد تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. فبتفرقنا أصبحنا غثاء كغثاء السيل.
كان التعصب المذهبي سائدا في الصدر الأول من المجتهدين وأصحاب الحديث حتى كان يلعن بعضهم بعضا. ولكن بعد أن نضجت البحوث الفقهية وجادت القرائح سلمت المذاهب، قال أحمد بن حنبل: ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فمزج بيننا [ترتيب المدارك ١/ ٩٥] فزال الخلاف وكنا نجد الجدال المستمر حتى بين أصحاب المذاهب من أهل السنة. فامتنع بعضهم أن يصلي خلف إمام من غير مذهب. ولكن هذا الجدال خفت حدته في هذا العصر وينبغي أن تزول التفرقة إلى الأبد. فلكل إمام وجهة نظر وفي المجتمع مشكلات ومشكلات لا يمكن أن تحل على أصول مذهب واحد كمشاكل الحلف بالطلاق، وتعليق الطلاق، والطلاق الثلاث دفعة واحدة، وطلاق الغضبان. فقد جنحت المحاكم إلى جليها ولو على رأي ابن تيمية وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلا نجد أن الإمام أبا حنيفة النعمان السني كان تلميذا للإمام زيد بن علي زين العابدين إمام الزيدية من الشيعة، كما كان أيضا تلميذا للإمام جعفر الصادق. وقد مرت المناقشة بين الإمامين على القياس عند ترجمة الإمام جعفر. والإمام زيد الشيعي كان تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلي مؤسس مذهب الاعتزال وكان ملازما له. وكان الإمام مالك تلميذا للإمام جعفر الصادق أيضا وقد كان واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد تلميذان عند الحسن البصري وقد سئل الحسن البصري عن عمرو بن عبيد فقال لسائله: لقد سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته، وكأن الأنبياء ربته إن قام بأمر قعد به، وإن قعد بأمر قام به، وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له. ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن منه، ولا باطنا أشبه بظاهر منه. فينبغي أن نرجع ونعود إلى شرعنا وعزنا ومجدنا.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين.