[الجرح والتعديل]
المؤلف/ المشرف:أبو لبابة حسين
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار اللواء ̈الأولى
سنة الطبع:١٣٩٩هـ
تصنيف رئيس:علوم حديث
تصنيف فرعي:جرح وتعديل
خاتمة
وبعد لقد أثير حول بعض كتب الجرح والتعديل ـ التي لا تفسِر أسباب الجرح وتكتفي بالإشارة إلى تضعيف الرواة أو توهين حديثهم ـ سؤال عن جدواها سيما عند من يشترط التفسير؟
ويرى ابن الصلاح أن هذا المسلك من تلك المصنفات لا يفضي إلى تعطيلها إذ أدت مهمتها بإيقاعها الريبة في نفوسنا إزاء الضعفاء فأوقفتنا عن قبول مروياتهم ريثما تتضح حقيقتهم.
أما القاسمي فإنه يراها من المختصرات "التي قُصد بها تقريب الحكم للمراجع وإلا فالمطولات تكفلت بذلك" التفسير.
في حين يرى العراقي أن الجمهور إنما طلبوا التفسير ممن ليس عالماً بأسباب الجرح والتعديل وأما العالم بأسبابها فيقبلون جرحه من غير تفسير.
وإذا علمنا أن جل هؤلاء المؤلفين من خيرة علماء الحديث العالمين بأسباب الجرح والتعديل تأكدنا من بقاء جدوى تلك الكتب وأهميتها رغم إبهامها التجريح.
وهناك تساؤل آخر عن جدوى التجريح نفسه بعد أن دونت الأخبار في أمهات الكتب منذ رأس الأربعمائة؟
ويجيب عنه السخاوي بأن الجرح سيبقى مفتوحاً ما دعت إليه ضرورة النصيحة للمسلمين وحفظ دينهم ودنياهم.
وهكذا تبين لنا أن علماء المسلمين لم يألوا جهداً في خدمة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جمعاً وتطهيراً من الوضع، ودراسة فانتقوا الصحاح وجمعوا السنن ووضعوا المسانيد وألفوا الشروح المستفيضة لأهم كتب السنة. كما جمعوا الأحاديث الموضوعة في كتب الموضوعات وألفوا في الرجال على اختلاف مستوياتهم في العدالة والجرح كتباً ما تزال تشهد بعبقريتهم وإخلاصهم للحق.
ولعل من أهم واجبات جيلنا المعاصر الملحة أن يضع ـ بتعاون مع الهيئات العلمية الإسلاميةـ أربع موسوعات عملاقة تضم الأولى الحديث الصحيح والثانية الحديث الموضوع وتتناول الثالثة الثقات والأخيرة الضعفاء والمجروحين حتى نضع حداً لهذا التشتت في جهود المشتغلين بالسنة الذي ينتهي بالكثيرين إلى الملل والضياع فضلاً عما يقعون فيه من التضارب ومن إثارة الشكوك حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك نوصد الباب أمام القول بالباطل في حديث الرسول هذا الباطل الذي يجعل منه أعداء الإسلام منطلقاً للتهجم عليه سيما إذا كان صادراً عمن يدين بالإسلام أمثال سيد أحمد خان بهادر الذي يصفه جولد زيهر بأنه "أرجح الواقفين على علم الرواية وعلى روح ذلك العلم ـ يريد به علم الحديث ـ بين ذوي الكلمة العليا في حركة التجديد الهندية الإسلامية"، وإنما أفسح له في الإشادة لأنه من رجال هذه الحركة الذين "يقفون بالكلية تجاه الحديث على أنه مصدر الأسس التي يُعدُّ تخليدها عقبة في حرية النمو" ولأنه في رسالته ـ التي يصفها جولد زيهر بالعلمية الخاصة ـ تبرئة الإسلام عن شين الأمة والغلام يصف العديد من نصوص السُّنة بأنها "ليست أجدر بالتصديق في وجهة النظر التاريخية من قصص ألف ليلة وليلة أو أخبار حاتم الطائي".
ومثل هذا الاعتقاد تولت كبره الموسوعة الإسلامية حيث غضت الطرف عن كل تحرٍ لأئمة الحديث وجهود رجال الجرح والتعديل التي خلدتها آثارهم الناطقة بما يكاد تعجز عنه طاقة البشر لما تميزت به من تجرد وتفان في طلب الحق.
أشاحت بوجهها عن كل هذا لتصدر عن دافع الحقد على الإسلام وأهله فتقول ـ بعد أن تعلل أسباب الوضع كما يحلو لها ـ "وعلى هذا لا يمكن أن نعد الكثرة الغالبة من الأحداث وصفاً تاريخياً لسنة النبي بل على العكس من ذلك تمثل أراء أعتنقها بعض أصحاب النفوذ في القرون الأولى بعد وفاة محمد ونسبت إليه عند ذلك فقط" ولا يفوتني أن أشير إلى تضارب أقوال المستشرقين أنفسهم. أصحاب الموسوعة حول التدوين المبكر لجانب كبير من السنة منذ عصر الصحابة ـ لا في القرون الأولى ـ فضلاً عما أثبته رجال الإسلام من حقيقة هذا التدوين، ولكن ما العمل مع هؤلاء:
وصرخةُ الحق تأباها مسامعُهم من يسمع الحق منهم يشتك الصمما
إلا أن تصاممهم وتعاميهم لا يمنع أئمة الإسلام ـ الذين تثقفوا ثقافة إسلامية خالصة لم يلوثها غبار الثقافات الهدامةـ أن يعلنوا حقيقة الأحاديث بلا مواربة.
وإن فيما توصل إليه ـ بحكمةـ الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ـ طيّب الله ثراه ـ لأفضل رد على ما افترته الموسوعة وأنصارها حيث يقول: "وإن إلقاء نظرة واسعة لهيأة مجتمع الأمة المتدينة بالإسلام في أزهر عصور اتباعها لتعاليمه لكاف للمتأمل الألمعي في تصور معظم مبادئ ذلك الدين ... وقد رأيت أجدى شيء للمتطلع إلى هذا المجال الرحب مطالعة كتب السنة والسيرة النبوية وكتب الأخبار الصحيحة الخلية عن الهوى فإنه تقع لديه منها صور كثيرة تمثل له أخلاق أفاضل المسلمين في أجلى مظاهر تفرعها عن المبدأ الإسلامي.