للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القلب ووظائفه في الكتاب والسنة]

المؤلف/ المشرف:سلمان زيد سلمان اليماني

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:دار ابن القيم - الدمام ̈الأولى

سنة الطبع:١٤١٤هـ

تصنيف رئيس:رقائق وزهد وترغيب وترهيب

تصنيف فرعي:أعمال القلوب

الخاتمة

أما بعد حمد الله الذي هو فاتحة كل كتاب، والصلاة على رسله التي هي خاتمة كل خطاب، نشكره جلّت عظمته أن حبانا بنعمه، وأغدق علينا من فضله.

كل صنعة يخترعها العبد، لا بد أن تحوي دليلاً يوضح كيفية العناية بهذه الآلة، وطرق وقايتها، وأسباب إتلافها، وكذلك الإنسان، هو صنعة الخالق جلّت عظمته، أعطاه ينبوع الإسلام الأول، يُقلب في ثناياه ما شاء، وسيجد في كل آية من الكتاب المفصل، ما يشفي صدره، ويعالج قلبه، ويجعله يسيطر بروحه على بدنه، ويسمو بنفسه فوق حسه.

وكان الهدف الأسمى من هذا البحث، معرفة هذه اللطيفة الربانية، المرتبطة ارتباطاً معنوياً باللحم الصنوبري الشكل المودوع في الجانب الأيسر من الصدر، ولها به تعلق وثيق، ولا أقصد بالمعرفة الكشف التام، إنما لمسات منيرة أوضحها الذكر الحكيم والسنة المطهرة، واقتبستها منهما، مع الاستدلال والاستئناس بأقوال الأكابر من العلماء، على مختلف الطبقات والأشربة، مع التحفظ عن المجاز ومشتقاته.

أوضحت بقدر الإمكان معاني القلب ومترادفاته، والتوضيح يُظهر الفوارق. فالفؤاد اشترك مع القلب في الصغو والتقليب، وانفرد بالفراغ والرؤيا والتثبيت وغيرها، فهو جزء من القلب اختص ببعض الأحوال، من معرفة وخواطر تتقارب مع اللب حيناً وتغايره أحياناً، كما أن العقل نور يقذف في القلب، يستعد به لإدراك الأشياء، وليس عيناً قائمة بذاتها، إنما التعقل عمل من أعمال القلب المؤمن الحي، وبالتتبع وجدنا أن الصدر استقل ببعض الأحوال، فهو يضيق أحياناً وينشرح أُخرى، وهو أول مقامات القلب وموضع نور الإسلام، والقلب مقرّه ومكمنه.

وبالنسبة للفطرة: توصلت إلى أنها أعم من أن تكون في قلب أو صدر، فهي تهيئة النفس لقبول الحق، وميثاق أقدم من الرسل والرسالات، ولكنها تتعرض إلى الاجتيال بالشبهة أو الشهوة، ولا حادي لها سوى الإسلام، به ترتقي إلى حقيقة التوحيد، ومع الإيمان تصور وقفة بين الحظ الأدنى والأعلى، وعلى قدره يكون النور في القلب، وبقدر عظم النور يحترق الاجتيال، وفيه تم التفريق بين الإسلام والإيمان إذا افترقا، وذكرنا بعضاً من أنوار لا إله إلاَّ الله بقدر ما صرح به الوحي.

وبتتبع أحوال القلب الحي حالة بعد أُخرى استقصاءً، بقدر ما يسر الله بين الكتاب والسنة وأقوال العلماء، مع المحافظة على لغة الذكر الحكيم، تبيّن لنا من النصوص أن أول ما يطالب به العبد بعد سلامة القلب الخشوع، حتى يترقى في الثواب ويسلم من العقاب. وبيّنا معاني ورود الحالة في كتاب الله وأقوال العلماء فيها، ثم أثر تلك الحالة على الجوارح وعلى المجتمع سلباً وإيجاباً، ومقدار دوام الحالة في الأمة، وما ينتج عن ذلك، وكيف يتم الانتقال في درجات الإحسان، ومن هو المحظوظ بهذه المكانة من الأمة، وحين ترد الحالة في اللغة تحتمل المدح والذم، فصلت لمن تكون تلك الأحوال كشدة القلوب مثلاً، مرغوبة في وقت ومرفوضة في وقت آخر، وأن من الأحوال ملكات في استطاعة العبد أن ينميها، حتى يطمئن قلبه إلى ذكر الله فيزول ما فيه من القلق والوحشة، ومن التتبع تبيّن أن أعلى حالات القلب الحي، ومنتهى الكمال، وأقصى ما تتحمله طاقة القلب، الغين عليه، وهي من مراتب النبوة التي اختص بها المفضَّل بالشفاعة ?.

<<  <  ج: ص:  >  >>