[القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه]
المؤلف/ المشرف:عبدالرحمن بن صالح المحمود
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار النشر الدولي - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:١٤١٤هـ
تصنيف رئيس:توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:قدر وقضاء
الخاتمة
والآن بعد هذه المباحث المتواصلة التي شملت عدة فصول جاءت ضمن أربعة أبواب، وذلك في موضوع: (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه)، نخلص إلى خاتمة هذه الرسالة باستخلاص النتائج التالية:
١– أن عقيدة القضاء والقدر تحتل مكانا بارزا بين أركان الإيمان، ولذلك استفاضت أدلته من الكتاب والسنة، وتكلم فيه علماء السلف رادين على الضالين والمنحرفين فيه، حتى أصبح اعتقاد السلف فيه واضحا لا لبس فيه ولا غموض، ولم يختلط بغيره من الاعتقادات الفاسدة. وهذه الحقيقة لا يلمسها إلا من اطلع على الغالب مما كتب حول القدر في القديم والحديث.
٢ – وقد تبين من خلال البحث أن القدر مما تكلم فيه الناس في القديم، وذلك قبل الإسلام، وكل فرقة أو نحلة أو جماعة قد تكلمت في القدر، إن بحق أو بباطل، وهذا دليل على أنه شغل حياة الناس وعقولهم، ولكن يلحظ أنه لم يعصم من الزلل فيه إلا من استمد هديه من الله، وهم الأنبياء وأتباعهم من المؤمنين المخلصين.
٣ – وحين جاء الإسلام إذاً بالكتاب والسنة، يبينان للناس حقائق العقيدة، ومن أهمها عقيدة القدر، وبقي الصحابة – رضوان الله عليهم – متمسكين بها، واعين لها، فاهمين لها على الوجه الصحيح، لم يخالط قلوبهم شك ولا ريب، وقد نهوا أن يبحثوها بعقولهم وأهوائهم، فكفوا واستسلموا لله رب العالمين، واستمر المسلمون على ذلك إلى أن نبتت في المسلمين – لأسباب عديدة – بذور الخلاف والشقاق، والانحراف عن صراط الله المستقيم، وذلك بظهور فرقة الجهمية والقدرية المعتزلة وغيرهما من الفرق.
٤ – وقد تبين من خلال البحث أن الخلاف بين أهل السنة وأهل الكلام من معتزلة وغيرهم، إنما هو خلاف في المنهج، قبل أن يكون خلافاً تفصيليا حول الأدلة المتعددة من الكتاب والسنة، وهذه حقيقة يجب ألا يغفل عنها من يتصدى لدراسة مثل هذه الموضوعات.
٥ - ومن خلال دراسة أقوال وأدلة المخالفين في باب القدر، تبين رجحان مذهب أهل السنة والجماعة، فهو القول الوسط الذي يجمع الأدلة كلها، أما الأقوال الأخرى فمما يلاحظ عليها أن كل قول منها هو في الحقيقة رد على القول الآخر، وكل دليل يورده، إنما هو أيضا دليل على فساد القول الآخر.
٦ – وهنا لابد أن نذكر حقيقة مؤسفة – على العلماء والباحثين أن ينتبهوا لها – ألا وهي أن كتب العقائد التي كتبها علماء السلف، نجدها منشورة ومطبوعة، ولكن القليل جداً منها الذي نجده محققا تحقيقا علميا دقيقا، ومخدوما بالدراسات والفهارس المختلفة، وهذا بخلاف كتب العقائد الأخرى كالمعتزلة والشيعة والأشاعرة، فإننا نجدها منشورة ومحققة، فمن المسئول عن هذا؟
إننا نجد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كلها تقريبا منشورة، ولكن هل هي محققة تحقيقا علميا دقيقا؟ الجواب: لا، إلا إذا استثنينا الجزء الأول من (درء تعارض العقل والنقل)، والجزءين الأول والثاني من منهاج السنة (وهما لا يمثلان إلا الجزء الأول المطبوع سابقا)، مع ملاحظات عديدة على تحقيقهما.
٧ – وقد رأينا من خلال البحث كيف أن موضوع القدر قد بحث في هذا العصر، وكتب حوله كتاب عديدون، ولكن أغلب هذه الكتابات جاءت منحرفة في فهمها لقضية القدر، لأنها مبنية على أقوال منحرفة قديمة، كأقوال المعتزلة والأشاعرة وغيرها، ولم يعصم من الانحراف إلا من التزم منهج السلف وعقيدتهم.
٨ – وأخيراً فقد تبين أن ما أثير حول القدر من حجج وأسئلة إنما هو احتجاج باطل، سهل نقضه، بشرط أن يلتزم من يناقشها منهجا واضحا محددا لئلا يقع في تناقض أو انحراف، والشبهات لا تأتي بأدلة قوية؛ لأنها تنشأ عن هوى يقع في النفوس؛ فيزين الشيطان لها الانحراف عن منهج الله لترتكس في حمأة الشهوات والرذائل، ولتجد لها مبررا فيما تقوم به من عصيان وإفساد.
وعقيدة القدر كما فهمها المسلمون الأوائل، وكما يفهمها كل مسلم صادق، ليست مصدر قلق نفسي، كما أنها ليست مما يدعو إلى القعود والكسل، والتعللات الكاذبة، بل على العكس من ذلك كله، كانت وما تزال أكبر داع للمؤمن لكي يتخلق ويتصف بصفات المؤمنين، من شجاعة وإقدام، وعمل جاد مستمر، وخلق حسن، ومحبة وألفة لإخوانه المؤمنين، إلى آخر الصفات الحسنة التي تغرسها في قلب المؤمن العقيدة الإسلامية، ومنها عقيدة القضاء والقدر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.