[اصطلاح المذهب عند المالكية]
المؤلف/ المشرف:محمد بن إبراهيم أحمد علي
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ̈الأولى
سنة الطبع:١٤٢١هـ
تصنيف رئيس:فقه
تصنيف فرعي:مصطلحات وحدود وتعريفات ومداخل فنون وأصول بحث
خاتمة البحث
ظلت الكتب المعتمدة، وفي مقدمتها الأمهات، والدواوين، وتظل، أساس المذهب، وجوهر تطور آرائه، واجتهاداته، فـ"المصادر الكبرى لكبار شيوخ المذهب في المشرق والمغرب هي التي تعتمد في الدرس والفتوى إلى أوائل هذا القرن، ينسب إلى الإمام أبي عبدالله محمد القصار في الحث على التمسك بالكتب المعتبرة في وقته قوله: "توضأ بالرسالة، وصلِّ بالجلاب، وصم بالتلقين، وزكِّ بابن الحاجب، وحج بخليل، واقض بالمدونة".
فـ"الفقه المالكي من لدن الإمام إلى ما بعد عصره بقرون، حتى القرن الثامن، الذي ألف فيه خليل مختصره، إذ توفي خليل (سنة ٧٧٦هـ)، لم يخرج عن مبادئه، وهي مبادئ فقه مالك، وإن كان مما جاء به خليل خلافاً لما يذهب إليه البعض من أن وجهه قد تغير، وكما لم يتغير في القرن الثامن، فكذلك ما بعده إلى القرن الثاني عشر حيث ضعفت العناية بالفقه ... ، وإنما قصارى ما وقع هو إثراءه وجمعه بصورة تلم ما وزع في الأمهات ببسط ... ، فكان عمل المتأخرين هو لمّ المتفرق، والتنسيق بين مسائله".
توسع علماء المالكية المتأخرين في الأخذ بمبدأ ما جرى به العمل، بل إن "العمل أصبح مصدراً رسمياً للتشريع، لذلك نرى المغاربة أكثروا منه، وأقبلوا عليه، وتنافسوا في الأخذ به، حتى كان ذلك سبب انتشاره وتنوعه".
كان لتطبيق قاعدة ما يجري به العمل دور إيجابي في تطور آراء المذهب وترجيحاته مراعاة لمصلحة عامة أو خاصة، ومعايشة لحاجة المجتمعات المختلفة وأعرافها والفروقات الاجتماعية بينها.
على أن التوسع في تطبيق هذه القاعدة، وبخاصة العمل المحلي، كان له تأثير سلبي على وحدة تطبيق المذهب، واستقرار آرائه، وأوجد تبايناً ملحوظاً في ترجيحاته التي كانت تختلف باختلاف المدن أحياناً، ناهيك عن الأقاليم. هذا الجانب السلبي ـ وغيره ـ حدا ببعض العلماء إلى الوقوف موقف الناقد من تطبيق هذا المبدأ، ويرى أنه "كان من موجبات هرم الفقه".
إلا أنه "بالرغم من بعض السقطات التي بدت من هذا اللون من التشريع، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، والمعارضة التي لقيها الفقهاء المسترسلون مع العمل، من لدن البعض الآخر، فإن هذا اللون من التشريع الذي اهتدى إليه الفقهاء، هو علم جليل ومجهود في ميدان التشريع كبير، إذ برهن الفقهاء بذلك على أنهم قادرون على مجابهة المستجدات والمشكلات الواقعة أو المتوقعة، وأعطوا بذلك الحلول للنوازل والقضايا التي لم يرد فيها نص صريح أو ضمني، وأثبتوا بذلك أنهم قادرون على ملاحقة التطور البشري، والتغير الزماني، كما دللوا أن الفقه المالكي فقه قابل دائماً للتطور، لمرونته، وقوة قابليته للاستمرار والبقاء، واستيعابه لكل ما يجد على ساحة المعاملات".
يكاد أكثر ما ألف بعد مختصر خليل ـ إن لم يكن شرحاً له، أو حاشية عليه، أو اختصاراًً ـ لا يخرج عنه إلا في القليل مما تتطلبه قواعد المذهب الترجيحية، ويمليه المنهج الذي اتبعه خليل في مختصره، وهو منهج دقيق في تحرير المعتمد للفتوى دقة تتسم بالتواضع والورع، والحرص على التأكد من ما يرجحه، ولذا ترك الباب مفتوحاً لمن يأتي بعده من العلماء ليدلوا بدلوهم، ويضربوا بسهمهم في تحقيق الراجح المعتمد في الأقوال في مذهب مالك في ضوء القواعد والضوابط التي حررها علماء المالكية، وحرصوا على متابعة تطبيقها وعلى رأسها قاعدة: ما يجري به العمل.