للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العرف وأثره في الشريعة والقانون]

المؤلف/ المشرف:أحمد بن سير المباركي

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض ̈الأولى

سنة الطبع:١٤١٢هـ

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:عرف وعادة

الخاتمة

(مقارنة بين العرف في الفقه والعرف في القانون)

من الخطل في القول، والسفاهة في الرأي: أن تقارن نظريات الفقه الإسلامي، بنظريات القانون الوضعي، وذلك للبون الشاسع بين شرع الله وتقنين الإنسان، بين الخالق والمخلوق، بين الثريا والثرى، ولكن هذا لا يمنع من أن نلقي نظرة خاطفة على نظرية العرف في كل من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، ولا تثريب علينا في ذلك ما دمنا نريد بيان الحقيقة للناس، ليقف عليها من يريد الفهم والإنصاف.

فنقول: إن هناك توافقا في جوانب، وتخالفا في جوانب أخرى:

أما الجوانب المتفق فيها:

فتتلخص في الأمور الآتية:

الأول: أن للعرف دورا هاما في قسم المعاملات في كل من الفقه الإسلامي، والقانون الوضعي، فكثيرا ما تجد العرف هو المحكم في بيع الناس وشرائهم، بل وفي معاملاتهم كلها.

الثاني: أن كلا من الفقه الإسلامي، والقانون الوضعي، يحيل في نصوصه على العرف في كثير من المسائل فمثلا: الفقه الإسلامي، أحال على العرف في مقدار النفقة وجنسها، والتفرق في البيع، والحرز في الوديعة وفي باب السرقة، كما أن القانون يحيل على العرف، لأن كل إقليم له عرفه الخاص به، والقانون لا يمكنه التنصيص على عرف كل إقليم؛ لأنه يؤدي إلى التناقض والاضطراب، حيث إن العرف في إقليم قد يكون مخالفا لعرف الإقليم الآخر.

الثالث: أن كلا من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لا يعتبر العرف إذا عارض نصوصه، اللهم إلا إذا كان العرف موجودا في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما مضى الحديث عن ذلك في تعارض العرف مع النصوص الشرعية. وكذلك ما سارت عليه بعض الدول من جعل العرف في منزلة التقنين.

الرابع: يشترط للعرف في كل من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي: أن يكون مطردا وثابتا، وموجودا عند إنشاء التصرف، حتى يتمكن الفقيه والقانوني من الإلزام به، وبناء الحكم عليه.

الخامس: أن كلا من الفقيه في الشريعة الإسلامية، والقانوني في القانون الوضعي في حاجة ماسة إلى العلم بالعرف، حتى يتمكنا من إجراء الحكم على الوجه السليم.

أما الجوانب المختلف فيها:

فيمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي:

أولاً: أن العرف في الفقه الإسلامي يعتمد في إقراره والإلزام به على شريعة الله تعالى العالم بما يصلح للناس؛ لأنه خالقهم، وخالق الحقيقة أعلم بما يصلح لها.

أما العرف في القانون الوضعي: فإنه يعتمد في إقراره والإلزام به على القانون الذي هو من وضع البشر، يعتريه القصور والنقص؛ لأن صانعه قاصر ناقص، والصنعة تأخذ صفة صانعها.

ثانياً: أن العرف في القانون مصدر أصيل من مصادره العامة، فهو ثاني مصدر للقانون الحديث، بل هو والتقنين في مرتبة واحدة لدى بعض الدول.

أما العرف في الشريعة الإسلامية: فلا يعدو أن يكون قاعدة من قواعدها الفقهية، يعمل به في نطاق خاص.

ثالثا: أن الشريعة الإسلامية: لا تعتبر من الأعراف إلا ما كان صحيحا، يحقق المصلحة للناس، ولذلك قسم الفقهاء العرف إلى صحيح وفاسد.

أما العرف في القانون، فلا تعتبر فيه هذه النظرة، بل يعمل بالعرف الفاسد كما يعمل بالعرف الصحيح، ولذلك لم يقسم القانونيون العرف إلى صحيح وفاسد، شأن علماء الشريعة الإسلامية.

رابعا: العرف في الفقه الإسلامي يأتي في وسائل العبادات، بل وفي جميع أبوابه، وهذا بخلاف العرف في القانون، فإنه لا دخل له إلا في المعاملات، إنطلاقا من مبدأ فصل الدين عن الدولة، وأن ما لله لله وما لقيصر لقيصر.

خامسا: أن العرف في الشريعة الإسلامية منظم وموجه، ومن ثم عبر القرآن الكريم عنه بالمعروف في أكثر من موضع، وهذا بخلاف القانون: فإنه منظم وليس بموجه؛ لأنه فقد الصيغة الدينية التي تذكي الشعور، وتحاسب الضمير.

سادسا: أن العادة في الفقه الإسلامي أعم من العرف، فكل عرف عادة من غير عكس، أما القانون فإنه يعتبر العادة مرحلة أولية للعرف، أي: الركن المادي له، فإذا ما توفر فيهما الركن المعنوي (اعتقاد الناس بأن هذه العادة ملزمة) ارتقت إلى درجة العرف.

وإلى هنا نأتي إلى نهاية هذا البحث الذي يعالج نظرية (العرف) التي تعد من أوسع النظريات في الفقه الإسلامي، مقارنة بنظرية (العرف) في القانون، وليقف المنصف على مدى حيوية ونماء الفقه الإسلامي، وصلاحه لكل زمان ومكان، رضي الأعداء أم سخطوا، فالحق يجب أن يعلو ويجب أن يقال. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>