كما ذكرت من جمعي في اللمحة التاريخية التي أثبت فيها ما يلي:
أن عمارة المنارة والقباب والهلال والزخرفة من عمل غير المسلمين ونقلت عنهم، وفي فعلنا هذا مشابهة لهم في أصل أعمالهم ببناء أماكن عبادتهم، فصفة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت معروفة كما بينها الحافظ ابن كثير وابن جرير الطبري وغيرهم من الأئمة الأعلام، علما بأن الحضارة العربية البنائية كانت عظيمة الشأن كما أوضحت في اللمحة التاريخية إذ أنهم غير عاجزين عن البناء والزخرفة، بل كانوا ينهون عن هذا بصريح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فخلف من بعدهم خير الناس وهم الخلفاء الراشدون، فأبو بكر كما هو مع قليل من الترميم، وعمر رضي الله عنه وسعه وأمر بعدم التزيين والزخرفة والبناء، وجاء عثمان وعلي رضي الله عنهما ولم يصنعا إلا توسعته وترميمه. فكان أول من بنى المآذن والقباب وزخرفها الوليد بن عبدالملك في مسجد دمشق الكبير ووسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخل فيه القبر وكان لا يوصف مسجد دمشق المسجد النبوي لجماله ولدقة الفسيفساء المصنوعة والرخام والزجاج والأعمدة، وأقام المنارات مغيرا ما كان عليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وكما قد بينت قد عرف عن الوليد بن عبدالملك حبه للبناء والزخرفة والعمارة كما تقول الدراسات التاريخية، فما كان للعهود التي كانت بعده إلا أن تأثرت بفنون هذه العمارة فانتقلت إلى الأندلس وإفريقية وإلى جميع ديار المسلمين مقلدين غير متبعين. فلا بد من تذكرة بأن هذا التشبه منهي عنه وإن كان بالبناء والتشييد، لأن المشابهة في الظاهر تورث نوعا من المحبة والمودة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر. فما حكم مشابهتهم فيما ليس من شرعنا؟ وللإجابة على هذا التساؤل أنقل رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة مشابهتهم فيما ليس من شرعنا بقوله:"مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد موافقتهم وهو قليل. وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة، وكل هذا لا شك في تحريمه، لكن يبلغ التحريم في بعضه أحيانا أن يكون من الكبائر. والشاهد من هذا أن هذه الأبنية إما أن تكون لشهوة تتعلق بهذا العمل مثل التباهي والمضاهاة والمفاخرة وحب ظهور هذا المسجد باسم فلان فلا بد من تشييده بكل أنواع الفنون المعمارية الدخيلة، والثاني: إما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة. كقول بعضهم: إن زخرفة المساجد أولى من زخرفة البيوت، لأن البيوت والقصور أصبحت ذات زخرفة عظيمة ولا بد للمسجد أن يجاري العصر؛ فالجواب: "لو كان هذا لأحضر عمر رضي الله عنه وقد فتحت بلاد فارس وبلاد الشام وغيرها البنائين والزخارف؛ بل يستطيع أن يجعل من منبر وسقف - بل من جميع - مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهبا وفضة وليس رخاما وفسيفساء، ويستطيع أن يضاهيهم بالأبنية والكنائس والقصور، لكنه عرف وعلم بأنه لا يجوز تشييد المساجد وأنه لا يجوز التشبه بالكافرين لا باللباس ولا بالبناء خاصة فيما يتعلق بأماكن عبادتهم، وكان على النهج نفسه عثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا، ولكن خلف من بعدهم خلف ابتدعوا وتشبهوا تاركين سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراء ظهورهم.
فالواجب اليوم: ملقى على حكام هذه الأمة أن يوقفوا هذه البدع، وأن تصرف هذه الأموال لصالح شعوبهم في مجالات الخير من علاج وأبنية لهم، وتزويج شبانهم وغير ذلك. وكذلك واجب علماء هذه الأمة بيان ذلك وتحري الحق واتباع الدليل وعدم التقليد، بل يجب عليهم أن لا يدعوا إلى جمع الأموال لكي تشيد بها المساجد ذات البدع بل تنفق في محلها. وأعتقد أنه بدلا من الإنفاق على المئذنة والقبة والهلال والزخارف والرخام وغيره في المسجد، لو يلحق به مدرسة للتحفيظ ومركز صحي أو غير ذلك لكان خيرا من هذه البدع الناشئة الدخيلة علينا.
وفي ختام رسالتي هذه أسأل الله أن يوفق المسلمين حكاما ومحكومين لفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يبتعدوا عن البدع والمخالفات الشرعية وأن يقيموا شرع الله سبحانه في سائر شئون حياتهم وإن كنت أخطأت فمني ومن الشيطان، وإن أصبت فمن الله وحده لا شريك له، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.