لعله من المفيد ونحن في خاتمة هذه الرحلة الطويلة التي تابعنا فيها بكثير من الإيجاز تطور المعرفة الجغرافية عن حضرموت عبر الزمن أن نشير إلى أن هذه المنطقة قد احتفظت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وإلى اليوم باسمها التاريخي المعروفة به وهو (حضرموت) وحتى عندما أشار القرآن الكريم إليها باسم (الأحقاف) كانت أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن الكريم تشير إليها باسم (حضرموت). وهي في احتفاظها باسمها إلى اليوم قد تفردت عن بقعة ممالك ودول الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية والذي أطلق عليه في مراحل متعددة تسميات مختلفة ومن بينها (أرض سبأ) و (العربية السعيدة) ثم أخيرا (اليمن). وهو الاسم الذي كثر تداوله قبل ظهور الإسلام بحوالي خمسة قرون ودون أن تفقد حضرموت هويتها الجغرافية كمنطقة ذات ملامح وسمات طبيعية وبيئية من أودية وسهول وصحاري ومناخ ونبات طبيعي ونشاط سكاني مميز في البر أو البحر وذلك حتى مع ارتباط حضرموت طوعا أو كرها في كيان سياسي موحد مع بعض أو كل دول وممالك الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية بين حين وأخر.
ولا شك أن حضرموت كانت تمثل قاعدة أساسية من قواعد هذا الركن إن لم تكن قاعدته الكبرى وذلك بالنظر إلى الامتداد الجغرافي الواسع الذي كانت تشغله حضرموت في العصور الغابرة في منطقة جنوب الجزيرة العربية وهو الامتداد الذي أجمعت المصادر التاريخية على أنه أستوعب تلك المنطقة الجغرافية الممتدة من ظفار شرقا إلى سفوح المرتفعات الوسطى غربا. وجعلت من صحراء الربع الخالي ورملة السبعتين حدها الشمالي ومياه البحر العربي وخليج عدن حدها الجنوبي وشملت بذلك مساحة تصل إلى أكثر من ثلثي مساحة الجمهورية اليمنية الحالية أي أنها ضمت أراضي معظم المحافظات الشرقية في هذه الجمهورية وهي المهرة وحضرموت وشبوة وأطراف من مأرب وبعضا من المحافظات الجنوبية ومن بينها أبين والضالع. ومن الطبيعي أن يكون للامتداد الجغرافي الواسع لحضرموت القديمة وما أرتبط به من نشاط حضاري مزدهر في مجالات عدة كالزراعة والصناعة والهندسة المعمارية والتجارية البحرية والملاحة البحرية والفنون والآداب وغيرها وما رافق ذلك من انتشار للسكان وتنقلهم في هذه المنطقة وما جاورها الأثر الواضح والملموس لحضرموت في الكيان الحضاري لهذه المنطقة والتي سميت لاحقا باليمن. وهي بذلك تكون قد ساهمت مع غيرها من مناطق جنوب الجزيرة العربية بنصيبها الوافر في صياغة وبلورة النسيج الحضاري لهذه المنطقة وربما لهذا السبب – أي حضرموت بثبات اسمها لتفرد التاريخي- اندفع كثير من الرحالة العرب والأجانب إلى معرفة أوضاعها الجغرافية العامة وأحوال سكانها واستجلاء الغموض في تاريخها الطويل مما جعلها في نظر البعض من هؤلاء الرحالة من المناطق المعلومة والمجهولة في آن واحد فهي معروفة بتحدث التاريخ عنها وما ذكرته الكتب المقدسة بشأنها كالتوراة والقرآن الكريم وما شهدته من حوادث سجلتها هذه الكتب المقدسة وكذلك ما نقل بعض أبنائها من المهاجرين إلى خارجها عن أحوالهم ولكنها أيضا مجهولة لما نكبت به في مراحل تاريخية معينة من اضطرابات سياسية وفوضى أمنية وفتن داخلية قضت على الأخضر واليابس جعلت ارتياد هذه المنطقة مسألة محفوفة بالمخاطر والمهالك وأسدلت عليها بذلك أستارا كثيفة من النسيان فحجبت الآخرين عن التعرف إليها. وهي على أية حال فترات من الظلمة لم تكن طويلة وإنما كانت فترات قصيرة تعقبها إطلالة ممتدة من النور.
ولا تزال حضرموت وإلى اليوم – وكغيرها من المناطق العربية – تجتذب اهتمام العديد من الباحثين ومرتادي الآفاق والأجواء بحثا عن اكتشاف جديد يثري المعرفة الجغرافية عنها وعما حولها خصوصا مع ما تشهده أراضيها وكغيرها من مناطق الجمهورية اليمنية من انفتاح على العالم الخارجي والسريعة ومع انتقال المعلومات من مكان لأخر في سهولة ويسر مما سيرفع الرصيد المتراكم من المعرفة الجغرافية عن حضرموت أرضا وأنسابا.