للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة - آفاق وأبعاد]

المؤلف/ المشرف:عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:البنك الإسلامي للتنمية ̈الأولى

سنة الطبع:١٤١٤هـ

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:ضرورات وضرر

خاتمة البحث

كشف البحث في جانبيه: النظري، والتطبيقي: أن فقه الضرورة ثمرة مصدرين متنوعين من مصادر التشريع الإسلامي، ونتائج عنصرين متقابلين: النقلي بخصائصه، وحكمه التشريعي، والعقلي بمنطقه، وتأملاته.

كما أثبت آفاقه البعيدة في جميع المجالات، وآثاره الشرعية في كافة الموضوعات والحقوق الفقهية في الشريعة الإسلامية التعبدية منها، وغير التعبدية، مهما تباعد الزمان والمكان.

وأن الفقه الإسلامي لا يتوقف على المنقول فحسب بل يعتمد المعقول غير المنقول، يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله:

"فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فتم شرع الله، ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته، وأماراته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر. بل بين بما شرعه من الطرق: أن مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق، ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها، ومقتضاها، والطرق أسباب، ووسائل لا تراد لذاتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها، وأمثالها، ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعه، وسبيل للدلالة عليها، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟

ولا نقول إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عدلاً فهي من الشرع".

ومن المسلم به في الفقه الإسلامي أن أحكام الشرع مراعى فيها مصالح العباد، فضلاً عن الله، لا وجوباً عليه، وفقه الضرورة أحد دعائم العدل في الشريعة الإسلامية فيما بين الله، وبين العبد، وفيما بين العبد، والآخرين من بني الإنسان، وقد تجلت فيه عدالة الإسلام، ووضحت من خلاله مقاصد الشرع، وكملت به محاسنه.

ولا أدل على هذا من الآية الكريمة التي بدأها المولى بقوله جل وعلا: { ..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .... }، (المائدة آية ٣) فهي عنوان لواقع ملموس وحقيقة مشاهدة، وبرغم هذا فقد دلل على هذا الكمال والتمام لشرعه اعتبار الضرورة في أحوال العباد، برهاناً واضحاً على استكمال جوانبه الظاهرة، والخفية، فقال بعد ذلك مباشرة: { .... فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة آية: ٣).

هذه إشارة مقصودة إلى أن من ينشد الكمال في التشريع فهو في الإسلام ومن ينشده، ويبحث عنه في التشريع الإسلامي فإن (الضرورة) أصولاً وفقهاً أحد معالمه البارزة، وأدلته البينة. وقد استرعى هذا المعنى انتباه الفقهاء قديماً، فوجدت (الضرورة) مجالاً فسيحاً في علوم ثلاثة من العلوم الإسلامية:

أصول الفقه، الفقه، القواعد الفقهية؛ لتؤدي وظائف مختلفة، ونتائج متنوعة، فهي للحجة والاستنباط في أصول الفقه والتفريع في الفقه أحكاماً، وشرائع للعمل، والتطبيق، وفي علم القواعد الفقهية يتذكر بها المفتي ما لا يحصي من التفريعات ويستأنس بها القاضي في الأحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>