للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تغير الأحكام دراسة تطبيقية لقاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير القرائن والأزمان في الفقه الإسلامي)]

المؤلف/ المشرف:سها سليم مكداش

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:دار البشائر الإسلامية - بيروت ̈الأولى

سنة الطبع:١٤٢٨هـ

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:أصول فقه - أعمال منوعة

خاتمة البحث:

وبعد، فأحمد الله تعالى أن سهل لي فأنهيت هذه الأطروحة التي لا أنكر مدى الصعوبات التي واجهتني خلال عملية البحث وخاصة في المسائل التطبيقية حول موضوع التغير لاستنساب المسائل الفقهية الملمة بالموضوع ووضعها في إطارها المحدد من الرسالة.

هذا وإني قد عملت ما بوسعي، واستنفدت الكثير من الجهود محاولة بإذن الله أن أحيط بالموضوع في الكثير من جوانبه؛ إلا أنني أدرك أن الخوض في مثل هذه القضايا والأحكام - وخاصة المتغيرة منها - هي أمور لا تنتهي عند حد معين؛ لأنها من المسائل الاجتهادية التي يطرأ عليها التغير بتغير حركة الزمان والمكان والأحوال والأعراف والمصالح وحتى العلل.

فمستجدات الحياة كثيرة ومتطورة، وموضوع التغير موضوع مهم وخاصة في الأحكام الفقهية؛ لأنها من أفعال المكلفين ويجب فيها مراعاة واقع الناس المتجدد، مما يجعل المجتهد يراجع اجتهادات القدامى وفتاويهم؛ لأنها عالجت زمناً أو مرحلة قد تغيرت، فوجب أن يتغير الحكم الفقهي بتغير طبيعة المحل، وعلى المجتهد أن يبذل ما في وسعه للوصول إلى أحكام تنطبق والواقع الجديد، لأنه لا يلزم تقليد المجتهدين في اجتهاداتهم مطلقاً، فالمسائل الفقهية التي كانت تلائم عصرهم تغيرت الأحكام فيها لاختلاف العصر والزمن. ولذلك اشتهر بين الفقهاء القاعدة الأصولية (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان). والمقصود من ذلك التغير ما جرى على طبيعة الحياة من تغير أعراف وعادات ومصالح ... وأصل التغير ليس هو الحكم في حد ذاته؛ إنما هو تطبيق الأحكام ومناسبتها للواقع؛ لأن الأحكام الشرعية في الأصل لا تتغير، إنما الذي يتغير هو تنزيلها وتطبيقها على واقع يتناسب في وقت ما وعصر ما، فإذا ما تغير هذا الواقع تغير هذا الحكم ليأتي حكم آخر يتناسب معه. فقد قال (ابن عابدين) رحمه الله في رسالته (نشر العرف): (كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان؛ بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد).

وقد قال الشيخ (القرافي): (الجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين).

وقال (ابن القيم) في فصل (تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) من أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ...

وقد مر الكثير من الشواهد في الرسالة تبرز مدى اهتمام الفقهاء القدامى بمسألة التغير وأن الجمود على الأحكام وعدم الاجتهاد فيها ليس من مقاصد الشريعة إنما تؤدي إلى الفساد والعبث.

فتغير الفتاوى والاختلاف في الأحكام الفقهية من الأمور التي يجب على الباحثين العناية بها بتأصيلها وتنزيلها على المسائل الفقهية المعاصرة؛ لحاجة العصر والواقع إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>