١ـ إنه لمن نعم الله تعالى عليّ أن وصلت إلى نهاية البحث وخاتمته وقد ازددت إيماناً بالله وملائكته، وكتبه ورسله، وإيماناً وثقة بشريعته الإسلامية الخالدة التي ختم الله بها جميع شرائع دينة، وجمع فيها محاسنها، وجعل أهلها خير أمة أخرجت للناس. ولا أدعي أنني وفيت البحث حقه، أو استقصيته وأتممته من جميع جوانبه، ولا أنني لم أخطئ في شيء منه، فهو جهد مقل، ويد الكاتب قصيرة وعين الناقد بصيرة.
٢ـ وإن مما واجهته أثناء البحث عدا كثرة المشاغل وعدم التفرغ، أن المكتوب في الموضوع لم يكن إلا مجملاً في كتب أصول الفقه سواء المطبوع منها أو المخطوط فيما أعلم، وما اشتملت عليه، يكاد أن يكون صورة مكررة. وإلا نتفاً مفرقة في كتب التفسير، والحديث والتاريخ، والتوحيد. هذا بالإضافة إلى قلة المراجع التي تعني بالتطبيق وتخريج الفروع على الأصول فيما أعلم، ولذا أعتقد أن رسالتي هذه أول محاولة لجمع الموضوع مع التطبيق عليه بأكثر أمثلته، وإفراده في كتاب مستقل.
٣ـ ولقد حرصت أن يكون البحث وافياً شاملاً لكل ما له علاقة بالموضوع وأن يكون الترتيب بين أبوابه وفصوله منسقاً مرتبطاً بعضها ببعض وبعناوين بارزة، ليكون أقرب إلى الفهم والانتفاع.
٤ـ وقد بدأت البحث بمقدمة اتضح بها معنى الشرع والشريعة والشرعة والمنهاج، والقانون. وتبين أن لفظ الشرع أو الشريعة لا يطلق على القوانين الوضعية والمبادئ الهدامة والعقائد الفاسدة، وأن الشارع على وجه الحقيقة هو الله وحده، وأحكامه هي التشريع الحق، وشريعته المحكمة هي المورد العذب الصافي الذي لا ينضب معينه وهي الغذاء للأرواح والنفوس ?أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نواً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها? ?يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين? وأنها تنتظم كل ما شرعه الله لعباده وسنه لهم من الأمر والنهي والحلال والحرام، والفرائض، والحدود، والعقائد، والمعاملات، والأخلاق وغير ذلك من جوانب الحياة المتعددة، وأن ما وافقها فهو حق مقبول، وما خالفها فهو مردود. وأن سموها وفضلها على القوانين الوضعية كفضل الخالق جل وعلا على المخلوق. وأن حاجة الإنسان إلى الشريعة الإسلامية المحكمة ضرورية، فهو أحوج إليها من حاجته إلى الطعام والشراب والهواء، ومن حاجته إلى السمع والبصر، كما شهد لذلك النقل والعقل.
٥ـ وبعد المقدمة أربعة أبواب، الباب الأول في الشرائع السابقة المذكورة في القرآن وأصحاب تلك الشرائع والكتب النازلة عليهم وفق ما جاء في القرآن العظيم. والباب الثاني في مقارنة إجمالية بين تلك الشرائع والشريعة الإسلامية. والباب الثالث في حكم الاحتجاج بالشرائع السابقة في الشريعة الإسلامية. والباب الرابع في التطبيق بذكر جملة مما قيل فيه إنه مأخوذ من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من الأحكام والقواعد التشريعية.