٦ـ وقد بينت في الباب الأول: أن الشرائع السابقة للإسلام قد باد أكثرها وما هو موجود منها محرف ومبدل كشريعتي التوراة والإنجيل وهما أشهر الشرائع السابقة، وقد وقع فيهما التحريف والتبديل، فهما غير التوراة التي جاء بها موسى والإنجيل الذي جاء به عيسى ابن مريم عليهما السلام المشتملتين على الهدى والنور كما وصفهما القرآن، فليستا من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا إذاً وذكرت منهما كثيراً من الأمثلة التي تؤكد وقوع التحريف والتبديل فيهما، ومن ذلك ما هو مختلق ومكذوب على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في قصصهم الموجودة فيهما. مما يخالف ما قصه القرآن ونهجه في قصصهم وسيرتهم الطاهرة كما ذكرناه في الفصل الأول من هذا الباب وذكرنا فيه أصل دعوتهم ونماذج من شرائعهم.
وبينت الطوائف ذات الأديان والكتب الإلهية المذكورة في القرآن، فذكرت طائفة اليهود وبعض مواقفهم السيئة مما فضحهم به القرآن وسجله عليهم من قبائح الأعمال، من زمن موسى عليه السلام حتى مجيء الإسلام ورسوله ?.
وذكرت طائفة النصارى وضلالهم في عيسى عليه السلام وما نسبوه إلى الله عز وجل مما ينزه عنه وبينت أن مذهب المسلمين في عيسى عليه السلام وسط بين اليهود الذين نصبوا العداء له وحاولوا قتله وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وبين مذهب النصارى الذين غلوا فيه وزعموه إلهاً وبينت تناقضهم في الاتحاد والتثليث مع الرد عليهم، وبينت كذلك أن الشياطين هي أول من أضل النصارى وزين لهم القول بألوهية عيسى وأنه ابن الله وأوردت أمثلة تدل على ذلك من أناجيلهم التي بأيديهم ويزعمون أنها الإنجيل الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام، وأمثلة أخرى تدل على أن عيسى ابن مريم عليه السلام عبد الله ورسوله وأنه إنسان ابن إنسان لا مزية له على غيره من البشر. ولكن النصارى غلب عليهم الجهل والشرك أكثر من اليهود فهم ضالون على جهل واليهود غلب عليهم الكبر والحسد والحقد فهم أشد عداوة للمؤمنين من النصارى ومغضوب عليهم وضالون على علم كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وفيه بينت نسخ الشرائع السابقة في الجملة بشريعة الإسلام بعد أن ذكرت معنى النسخ في اصطلاح المتقدمين والمتأخرين وعلى أي الاصطلاحين نسخ الشرائع بعضها لبعض وأن مذهب المسلمين في النسخ وسط بين المنكرين له والمغالين فيه من أصحاب الشرائع والرد على المنكرين للنسخ من اليهود.