[قاعدة اليقين لا يزول بالشك دراسة نظرية تأصيلية وتطبيقية]
المؤلف/ المشرف:يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:مكتبة الرشد - الرياض ̈بدون
سنة الطبع:١٤١٧هـ
تصنيف رئيس:أصول فقه
تصنيف فرعي:قواعد فقهية وأصولية
الخاتمة
وبعد ما تقدم من عرض لقاعدة (اليقين لا يزول بالشك)، والضوابط التي تعين على فهمها، وتطبيقها على الفروع الفقهية، بتخريج أحكامها عليها، فإنه من المفيد، والمتمم لذلك، أن نذكر ما قيل بشأن صلاحية القواعد والضوابط الفقهية للدليلية، وبناء الأحكام عليها تخريجا واستنباطا بوجه عام، وما قيل في هذه القاعدة بوجه خاص.
لقد تكلم عدد ممن كتبوا في القواعد الفقهية، أو حققوا بعض الكتب المؤلفة فيها، من العلماء المعاصرين عن ذلك، وتكاد آراؤهم تتفق على أن القواعد الفقهية لا تصلح أن تكون دليلا يستند إليه في استنباط الأحكام الشرعية، إلا إذا كان أصلها دليلا معتدا به من كتاب أو سنة أو غيرهما.
وقد تكلم من هم أسبق عصرا من هؤلاء عن هذه القضية، وكانت لهم آراء مختلفة، منها ما يستفاد منه الاعتداد بهذه القواعد وبناء الأحكام عليها، ومنها ما يرفض مثل ذلك.
فممن بنى بعض أحكامه أو ترجيحاته عليها، أبو العباس القرافي (ت ٦٨٤هـ)، الذي رد فتاوى من لم يوقع الطلاق في مسائل الدور، التي منها قول القائل لزوجته: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا. وقال بنقض قضاء من حكم ببقاء الزوجية وعدم إيقاعه للطلاق، وعلل ذلك بمخالفة قاعدة الشرط التي هي صحة اجتماعه مع المشروط.
قال: (لو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق بناء على المسألة السريجية، نقضناه لكونه على خلاف قاعدة إن الشرط قاعدته صحة اجتماعه مع المشروط، وشرط السريجية لا يجتمع مع مشروطه أبدا، فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها) ومعنى ذلك إلغاء الشرط غير الصحيح في إيقاع الطلاق الذي أوقعه بعد ذلك.
وقد ينازع في أن هذه القاعدة هي من قواعد الفقه، وإنما هي ألصق بالقواعد الأصولية. وفي شرح الكوكب المنير نص على أن القواعد الكلية الكبرى (ليست بأدلة، ولكن ثبت مضمونها بالدليل، وصار يقضي بها في جزئياتها، كأنها دليل على ذلك الجزئي).
وممن نقل عنه عدم الاحتجاج بالقواعد الفقهية ابن نجيم (ت ٩٧٠هـ)، إذ نسب له الحموي (ت ١٠٩٨هـ) في غمز عيون البصائر أنه صرح في الفوائد الزينية: (أنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط، لأنها ليست كلية، بل أغلبية، خصوصا وهي لم تثبت عن الإمام، بل استخرجها المشايخ من كلامه).
وذكر واضعو مجلة الأحكام العدلية في المقدمة التي كتبوها لها، (إن المقالة الثانية من المقدمة هي عبارة عن القواعد التي جمعها ابن نجيم (ت ٩٧٠هـ)، ومن سلك مسلكه من الفقهاء – رحمهم الله تعالى – نعم ليس لحكام الشرع الشريف أن يحكموا لمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد، ما لم يقفوا على نص صريح.
وعلل الشيخ مصطفى الزرقا وجه عدم دليلية القواعد الفقهية، وحدها، على الأحكام الشرعية، بأنها أحكام أغلبية غير مطردة، وأنها (إنما تصور الفكرة الفقهية المبدئية التي تعبر عن المنهاج القياسي العام في حلول القضايا وترتيب أحكامها، والقياس كثيرا ما ينخرم، ويعدل عنه في بعض المسائل إلى حلول استحسانية استثنائية لمقتضيات خاصة من تلك المسائل .. ولذلك كانت تلك القواعد الفقهية. قلما تخلو إحداها من مستثنيات في فروع الأحكام التطبيقية خارجة عنها ..
ومن ثم لم تسوغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد إلى شيء من هذه القواعد الكلية فقط، دون نص آخر خاص، أو عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها؛ لأن تلك القواعد الكلية، على ما لها من قيمة واعتبار، هي كثيرة المستثنيات، فهي دساتير للتفقه، لا نصوص للقضاء).