١ - إن طريق الدعوة ليست مفروشة بالورود فالوصول بهذه الدعوة إلى غايتها لصعب بل في غاية من الصعوبة إنها البأساء والضراء والزلزال؛ إنها تعرض للأذى، إنها الغربة في العقيدة، إنها السجن أو الإخراج أو القتل بشتى أنواعه، فالغرض الوحيد في مخطط القوى المجابهة للدعوة هو القضاء عليها وعلى أصحابها في مهدها. فإذا طال الزمن وبطأ النصر، كانت أشد وأقصى، مع التعرض لفتنة الرغبات والشهوات وفتنة البعد عن الأهل والأحباء، ولكن الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة لا يتم إلا بالمعاناة العملية. فالحق لا يقوم بنفسه بل لا بد من قائمين به، ولا بد من تضحيات في سبيل إقامته ولكن ليس ذلك سدودا أمام السالك عن بلوغ الغاية بل سلوك في الطريق الطبيعي للدعوة إلى الله – عز وجل- فقد مشط الكثير بأمشاط الحديد وأحرقوا بالنار في الأخاديد ولكن العقيدة استعلت في نفوسهم على العذاب وعلى كل رغائب الحياة.
٢ - ينبغي للداعية أن يلفت العقول والفطر إلى الكون وما يحيط بالإنسان من كل الجوانب يعرض آيات القدرة القادرة التي لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض، في الخلق في الموت، في الحياة، في إحداث الأحداث وتدبير الأمر ... تلك هي منافذ الفطرة التي تلجئها إلى البحث عن الخالق والتوجه إليه. فقد أخذ القرآن الكريم الإنسان من مواطن اهتمامه في الكون ونعم الله عليه، ونقله منها إلى الخالق المنعم، فأكسبه بذلك الاقتناع بمنطق العقل والشعور ليخامر إيمانه النفس فكرا وعاطفة، وأن يعرض الداعية، نماذج مناسبة عن أخبار قوم هدوا فمكن الله لهم في الأرض، وأقوام ضلوا فساءت حالهم وخربت ديارهم ووقع عليهم العذاب والنكال يضرب بهم المثل ويدعو الناس إلى العبرة.
٣ - إثارة الوجدان بالثواب والعقاب، فالإنسان مجبول على حب ما ينفعه وبغض ما يكرهه لما فيه من غريزة حب الذات، فمخاطبة العقول وحدها لا تثير وجدانا، ولا تغذى أرواحا، فالنفس محتاجة إلى الغذاء الروحي كحاجة الجسد إلى الغذاء المادي ثم التوازن بينهما.
٤ - الدخول إلى النفوس لترسيخ عقيدة التوحيد النقية الواضحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، كل بحسب المؤثرات، فالداعية المسلم ينبغي أن يعرف من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي؟ فالبدء بالأصل قبل الفرع وبالقاعدة قبل البناء وبالتخلية قبل التحلية وكما يقال: المربي هو الذي يبدأ بتعليم صغار العلم قبل كباره.
٥ - استعمال أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، يا حصين كم تعبد من آله؟ قال: سبعة في الأرض وواحد في السماء. قال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء. فإذا هلك الناس من تدعو؟ قال الذي في السماء. قال فيستجيب لك وحده وتشرك معه غيره. يا حصين أسلم تسلم ..... عرض وأخذ وعطاء وإقناع. (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (١٠٨) سورة يوسف، ومع هذا فليس في العقيدة مساومة ولا حلول نصفية فلا يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق .. ولو جازت المساومة لجازت في أحرج الظروف المكية. فالشدة في موضعها لا تتنافى مع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، بل هي من الحكمة (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أموت دونه ما تركته)