أحدثت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحولا كبيرا في أوضاع نجد السياسية والاقتصادية والعلمية، فقد تمكنت الدولة السعودية الأولى، التي قامت على أساس تلك الدعوة، من لم شتات البلدان والقبائل النجدية المتفرقة في كيان سياسي موحد مع مطلع القرن الثالث عشر الهجري، كما نجحت تلك الدولة في توحيد مناطق أخرى من شبه جزيرة العرب، فغدت الدرعية قاعدة لدولة كبيرة تنعم بالاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي بدرجة جيدة، انعكس أثره إيجابا على مختلف جوانب الحياة فيها ومنها الناحية العلمية.
وكانت الحياة العلمية في نجد قد شهدت نموا تدريجيا إيجابا، بدأ تتابعه منذ القرن العاشر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري. ومن مظاهر ذلك النمو الزيادة في عدد العلماء من حقبة لأخرى، وارتفاع نسبة هجرة العلماء ورحلتهم لطلب العلم داخل نجد وخارجها، وزيادة عدد المراكز العلمية، وارتفاع نسبة عدد المصنفين والمصنفات.
وقد طرأ تغير كبير على الأوضاع العلمية في نجد خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، أي فترة نشاط الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مقارنة بالنصف الأول منه، إذ بلغت نسبة الزيادة في عدد العلماء المترجم لهم ٧٤%، كما زادت نسبة هجرة العلماء داخل نجد إلى ١٨.١%، ونسبة هجرتهم خارجها إلى ١١.٣%. وذلك بسبب معارضة أكثر العلماء المهاجرين إلى خارج نجد لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو عدم ارتياحهم لها، إذ كانت نسبة هذا النوع من المهاجرين٦٢.٥% من عدد من هاجروا إلى خارجها.
وظهر ذلك النمو العلمي أيضا على الرحلة لطلب العلم داخل نجد وخارجها، فقد زادت نسبتها إلى ٧%، وزادت نسبة الراحلين لطلب العلم خارج نجد ٧.٦%، كما زاد عدد المراكز العلمية، التي قصدها طلبة العلم النجديون خارج الجزيرة العربية. وكان أكثر توجه أولئك الدارسين خارج نجد إلى الأحساء ودمشق.
أما في نجد فقد ارتفع عدد البلدان، التي خرج منها علماء إلى سبعة بلدان، وكان ترتيب هذه البلدان من حيث استقطابها للهجرة الداخلية والرحلة لطلب العلم كالتالي: الدرعية، المجمعة، أشيقر، العيينة، حوطة سدير، عنيزة، مقرن.
وكان تميز فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيما يتعلق بالمصنفات أكثر وضوحا من حيث الكم وتنوع العلوم المصنف بها، فقد ارتفعت نسبة المصنفين إلى ٢٥% من عدد العلماء المترجم لهم.
وقد ظهرت الزيادة واضحة في عدد مصنفات هذه الفترة بسبب كثرة ما صنفه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي بلغ عدد مصنفاته سبعة وأربعين مصنفا تشكل ٨١% من عدد مصنفات الفترة كلها. وعلى الرغم من أن أكثر مصنفات الشيخ محمد كانت في علم العقيدة، الذي هو جوهر دعوة الشيخ إلا أن بقية مصنفات الشيخ شملت مختلف العلوم الشرعية. وهذا الإنتاج العلمي الضخم للشيخ محمد يتناسب مع دور الداعية والمصلح الديني والمعلم الأول في الدولة السعودية الأولى.