ولما توسعت الدولة السعودية جغرافيا، بعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إثر توحيدها للأحساء، وبعض سواحل الخليج العربي، وجنوب غربي الجزيرة، والحجاز، أخذت ترسل الدعاة والمعلمين والقضاة إلى تلك المناطق الموحدة. وقد ظهر هذا النشاط العلمي واضحا من خلال عدد العلماء، الذين توفوا في الفترة الممتدة من وفاة الشيخ محمد سنة ١٢٠٦هـ إلى قيام الدولة السعودية الثانية سنة ١٢٤٠هـ، إذ بلغ عددهم خمسة وخمسين عالما، كما ظهر من خلال عدد العلماء، الذين تولوا مناصب دينية وعلمية زمن الدولة السعودية الأولى، ثم كان لهم نشاط بارز زمن الدولة الثانية، وقد بلغ عددهم ثمانية عشر عالما. وبذلك كان عدد من عرف من علماء نجد خلال هذه الفترة ثلاثة وسبعين عالما، منهم تسعة وأربعون ترجمت لهم الكتب المتوفرة، وهو عدد كبير مقارنة بالفترة السابقة، مع ملاحظة أن الفترة التي أعقبت وفاة الشيخ محمد لا تزيد على أربعة وثلاثين عاما، وأن الدولة السعودية الأولى شغلت خلال السنوات السبع الأخيرة من عمرها (أي من ١٢٢٦ - ١٢٣٣هـ) بمواجهة الغزو المصري العثماني لأراضيها، الغزو الذي استهدف القضاء المبرم عليها. كما أن الفوضى والاضطرابات الأمنية عمت نجدا خلال السنوات الست التالية.
وكان من مظاهر هذا النمو العلمي في نجد ارتفاع نسبة العلماء المهاجرين بمقدار ١٩.٥% عن نسبتهم في فترة الشيخ محمد. ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذه الزيادة، إرسال الدولة السعودية القضاة إلى البلدان التابعة لها خارج نجد، وكذلك تدمير إبراهيم باشا للدرعية ونقله لعدد من علماء نجد إلى القاهرة، وقد تمكن عدد من العلماء من الفرار من الدرعية واللجوء إلى خارج نجد. ومن مظاهر هذا النمو أيضا، ارتفاع نسبة الراحلين في طلب العلم ١١.٥% وارتفاع نسبة من اقتصروا على الرحلة داخل نجد١٧.٥%.
وكان ترتيب المراكز العلمية في الفترة ١٢٠٧ - ١٢٤٠هـ من حيث عدد من ولد فيها من علماء كالتالي: الدرعية ولد فيها ثلاثة عشر عالما، تليها كل من حرمة، والعيينة، والمجمعة ثلاثة علماء من كل منها، وقد شهدت الدرعية هجرة عشرة من العلماء، الذين ولدوا فيها إما بسبب تولي بعضهم القضاء أو بسبب تدمير الدرعية.
وكان ترتيب المراكز العلمية من حيث استقطاب الرحلة العلمية كالتالي: الدرعية وقد وفد إليها ٧٨% من عدد الراحلين لطلب العلم داخل نجد، وتلتها في ذلك بلدة عنيزة، ثم شقراء، فأشيقر. وهذا التميز العلمي للدرعية راجع إلى كثرة من وجد فيها من علماء من أبناء الشيخ محمد، وتلاميذه، وتوفر فرص العمل للدارسين في الدرعية أكثر من غيرهم بسبب قربهم من قادة الدولة السعودية.
وقد وضح تميز هذه الفترة (١٢٠٧ - ١٢٤٠هـ) من خلال توجه علمائها نسبيا إلى التصنيف، إذ بلغت نسبة المصنفين ٢٨% من عدد العلماء المترجم لهم. ولكن هذه الزيادة في عدد المصنفين لم ترافقها زيادة في عدد المصنفات، التي لم يتجاوز عددها ستة وعشرين مصنفا، أي ما يعادل٦٢%من مصنفات فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وقد حافظ علم العقيدة على تقدمه على سائر العلوم في هذه الفترة أيضا. وتلاه في ذلك علم الفقه، في حين اختفى التصنيف في علمي التفسير واللغة، وتراجع التصنيف في التاريخ كما لا نوعا، إذ أن تاريخ ابن غنام، روضة الأفكار، يعد أدق سجل لتاريخ نجد في فترة الشيخ محمد حتى سنة ١٢١٢هـ، وإن كان اهتم بنشاط أتباع الدعوة ضد خصومها دون غيره.
على أن التصنيف في الفترة من ١٢٠٧ – ١٢٤٠هـ، كما ونوعا، لم يكن متناسبا مع ما حققته نجد من تطور سياسي، وحضاري، وعلمي. ولعل هناك من المصنفات خلال هذه الفترة ما فقد بسبب الأحداث، التي تعرضت لها نجد حينذاك.