للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تبصير المسلمين لغيرهم بالإسلام: أحكامه وضوابطه وآدابه (معاملة غير المسلمين في الإسلام)]

المؤلف/ المشرف:وهبة الزحيلي

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن ̈بدون

سنة الطبع:١٩٨٩م

تصنيف رئيس:دعوة ودعاة

تصنيف فرعي:معاملة غير المسلمين

الخاتمة

١٢٣ - نحن في عصر تصطرع فيه الآراء والمذاهب الفكرية والسياسية والاقتصادية والفلسفات والتيارات المتعددة، العلمانية والمادية الملحدة وغيرها.

وفي جوار ذلك تنتشر في العالم الأديان السماوية من يهودية ونصرانية وإسلام، وغير السماوية من بوذية وبرهمية ووثنية ونحوها.

والعالم يعيش في جو من حمّى المادية الطاغية والعنصرية والقومية والنزعات العرقية، ويعاني من داء الترفع والتكبر والاستعلاء الدولي.

ويكاد يكون هناك ظاهرة من التحزب والتجمع بين الدولتين العظميين ضد الإسلام، والاستهانة بمقدساته، وما تزال عقلية الاستعمار الأوربي والأمريكي بشكليه القديم والحديث هي المهيمنة في علاقات الدول الكبرى بالعالم الإِسلامي الذي يعاني من أوضاع الضعف السياسي والاقتصادي والعسكري الشيء الكثير وربما كان الإِعلام والتسلط الصهيوني هو داء الأمم المعاصرة.

١٢٤ - وفي هذا الجو المحموم لابد من محاولة إنقاذ وإسهام، إما بتغيير المناهج والعقائد المضادة والمعارضة لمفهوم رسالة القرآن العظيم، وإما بوضع المعوقات على الأقل لصد السيل العارم للاتجاه غير الديني، وإيقاف التيار الجارف المعارض للمفاهيم الإسلامية؛ لأننا نحن المسلمين نشعر بأن علينا واجباً مقدساً نحو العالم يتمثل بالقيام بحركة تصحيح وجهاد ونشر دعوة الله في الأرض، وإلا كنا آثمين جميعاً.

١٢٥ - والوسيلة لذلك إما جهود فردية أو جماعية أو دولية، وأداء الجهد الفردي هي نشاط كل مسلم، حيثما كان في العالم، فعليه واجب التبليغ والتبصير والدعوة إلى الله تعالى. والجهد الجماعي يتجلى في ضرورة التكتل عن طريق الجمعيات والمؤسسات والأوقاف الإِسلامية لبعث وفود الدعاة إلى أنحاء العالم.

والواجب الأكبر والأهم هو واجب كل دولة إسلامية بقدر إمكاناتها أن تساهم في إرسال البعوث والدعاة إلى الله إلى بلاد الدنيا؛ لأن الدولة أقدر على هذا العمل من الفرد قطعاً، فقد فرضت الدولة هيمنتها في العصر الحديث على كل نشاط فردي وجماعي في إقليمها، وعليها طبعاً وبداهة تكوين الدعاة على المستوى المطلوب، وعلى النحو الذي ذكرت ضوابطه وآدابه وأصلت له أصوله، وأبنت مصدره وغايته.

١٢٦ - وأخيراً لا ننسى الدور المهم الحيوي الذي يمكن أن تقوم به المرأة المسلمة، زوجة الداعية، والأخت المسلمة، والبنت المسلمة في الدعوة إلى ربها داخل الدولة وخارجها بين بنات جنسها النساء وبين الأسر، فلها تأثيرها الذي لا ينكر.

١٢٧ - ولابد من وجود دورات تدريبية متكررة للدعاة، وإيجاد معاهد دعوة في كل دولة، وإقامة مراكز ثقافية إسلامية في أنحاء العالم، ودعم رسالة المساجد أينما كانت، وتوفير الدولة الدعم المادي والمعنوي والثقافي للدعاة، حتى لا يكونوا ضحية المكر والخداع والتعصب والأحقاد، ثم الطرد والإِبعاد. {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}. ولعل أفضل ما ينبغي التذكير به في ختام البحث هو قول الله تبارك وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.

ويتزود الداعية بطاقات ومهارات وافرة، فيتعمق في معرفة القرآن والسنة وعلوم الشريعة، ويطلع على المعارف الحديثة ما أمكنه، ويتمكن من لغة القوم الذين يخاطبهم، ويكون خبيراً بأسلوب الدعوة والتوجيه، ويتحلى بالخلق الكريم، ويكون حسن الهندام جميل الهيئة، حكيماً، سليم الفكرة حسن الأداء، متنزها ً عن فحش القول والكلام، مترفعاً عن الأمثلة والتشبيهات الوضعية، يحسن اختيار الموضوع، ويبتعد عن إثارة الشبهات بتبسيط العقيدة وتيسير الأخذ بأحكام الشريعة، وهو في الجملة إمام وقائد، وقدوة ومثل أعلى، فيلتزم بما يدعو إليه، ويحرص على هداية الناس، ويظهر حبه لغيره، ويشعرهم بأن سعادته في سعادة الآخرين.

وشعاره آيات ثلاث:

الأولى - قول الله تبارك وتعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً}.

والثانية - قول الله عز وجل: {كنتم خير أمة ٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله}.

والثالثة - قول الله سبحانه: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا ًمن دون الله، فإن تولوا، فقولوا اشهد وا بأنا مسلمون}.

<<  <  ج: ص:  >  >>