[تيسير العليم في أخذ الأجرة على القرآن والتعليم]
المؤلف/ المشرف:عصام بن مرعي المصري
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:مكتبة ابن كثير ̈الأولى
سنة الطبع:١٤١٣هـ
تصنيف رئيس:فقه
تصنيف فرعي:إجارة
خلاصة ما سبق ترجيحه في هذه الرسالة
قد رأيت أيها القارئ الكريم أن أهل العلم قد اختلفوا في أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم والعلم الشرعي والقضاء وتأليف الكتب الشرعية والإفتاء وبيع المصاحف أو نسخها – ومن باب الأولى – كتب العلم الشرعي ونحو ذلك وقد رأيت أنا ذهبنا إلى الجواز في هذا كله إلا في الإفتاء فقد فصلنا فيه القول كما سبق آنفا، وقد أقمنا أدلتنا على ما ذهبنا إليه وذهب إليه جمهور العلماء في ذلك كله، لكن يجدر بي أن أنص هنا على ثلاثة أمور لا يكون هذا البحث وذاك الترجيح الذي ذهبنا إليه مباركاً إلا بذكرها، فأقول وبالله التوفيق هاكم هذه الأمور الثلاثة:
١ - أن هذا الجواز في ذلك كله مقيد بوجوب إخلاص النية لله عز وجل في ذلك كله وإن كانت النية مقترنة أيضاً بأخذ الأجرة أو العوض على هذه الأعمال الشريفة.
وذلك لحديثه صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لن يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها –أهـ.
فهذا الحديث نص صريح في وجوب إخلاص النية لله تعالى في تعلم العلم وتعليمه، ونص صريح أيضاً في بيان حرمة تعلم العلم وتعليمه ابتغاء العرض أو الأجر الدنيوي فقط، وهذا واضح لمن تأمل وتدبر، قال المناوي في فيض القدير [٦/ ١٠٧ – ١٠٨]:
" ... قال ابن عطاء الله: ... مثل من يتعلم العلم لاكتساب الدنيا والرفعة فيها كمن رفع العذرة بملعقة من الياقوت فما أشرف الوسيلة وما أخس المتوسل إليه، ... – ثم قال المناوي:- وليت شعري من شهد بقلبه أن الله هو الفعال وأنه لا نافع ولا ضار إلا هو وأن قلوب العباد بيده وأنه لا يناله من الدنيا إلا ما قسم له كيف يقصد بعلمه غير الله من جلب الدنيا، وقد مازج قلبه العلم فإنه لا يأتيه إلا ما قدر له منها وأن هذا القصد لا يفيده من الدنيا إلا الخسران". أهـ.
قلت: وقد وردت أحاديث أخرى كثيرة تنص على ما ذكرنا، فانظرها أيها القارئ الكريم في صحيح الترغيب والترهيب للشيخ المحدث الألباني [١/ ٤٦ – ٤٧ – ٤٨]، فالله تعالى نسأل أن يرزقنا الإخلاص في تعلم العلم وتعليمه ونشره.
قال الإمام النووي في المجموع [١٥/ ٣١]:
"أجمع أهل العلم على أن القارئ إذا قرأ ابتغاء المال وطلباً للنقود لاسيما في زماننا الذي عمَّت فيه حرفة القراءة، وصاروا يتقاولون على القراءة ويتزيدون كما يتزيد المتبذلون من أهل الغناء والفتنة فإنه لا ثواب له، وقد يكون مأزوراً آثماً لأنه لا يبتغي بالقرآن وجه الله، ولم يقف عند عجائبه فيحرك به قلبه .. ؟ " أهـ.
٢ - أنه وإن كان الذي رجحناه في هذا كله الجواز إلا أننا نعتقد أن القيام بهذه الأعمال الصالحة الشريفة ابتغاء الثواب الأخروي فقط من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وعلى هذا اتفقت الأمة سلفاً وخلفاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [٣٠/ ٢٠٤ – ٢٠٥]:
" ... أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ليس هذا مما يخفى على أحد ممن نشأ بديار الإسلام، والصحابة والتابعون وتابعوا التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه، إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلاً، فإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذه بحظٍ وافر، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة ... " أهـ.