للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التقديرات الشرعية وأثرها في التقعيد الأصولي والفقهي]

المؤلف/ المشرف:مسلم بن محمد بن ماجد

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:دار زدني – الرياض ̈الأولى

سنة الطبع:١٤٣٠هـ

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:قواعد فقهية وأصولية

الخاتمة:

إن مما يسعى إليه الباحثون في خواتيم دراساتهم أن يضعوا أمام المطالعين لها جملة ما وصلوا إليه من نتائج، وما يمكن أن ينادوا به من توصيات؛ فبذلك تجمع أطراف كل موضوع، ويوقف على ما يهدي إليه فكر الباحث من آراء وتحقيقات، وجرياً على هذه السنة فإنه يمكنني أن ألخص بعض ما وصلت إليه من نتائج فيما يأتي:

١ - أن التقدير الشرعي يمثل قاعدة ومعنى عاماً في الشرع لا يخلو منه باب فقهي كان لعلماء الحنفية، وخاصة عند الكاساني منهم، وأما في مجال تأصيل هذا الموضوع فإنا نجد أن العلماء الشافعية الأسبقية في الكلام عنه في مؤلفاتهم في أصول الفقه والقواعد الفقهية، وخاصة عند الفخر الرازي والعز بن عبد السلام، ثم انتقلت العناية بهذا الموضوع إلى علماء المالكية بسطاً وشرحاً وتعليلاً سواء في مؤلفاتهم في أصول الفقه أو القواعد الفقهية أو الفقه، ومن أعلامهم في هذا الشأن: القرافي، والمقري، والمنجور.

وأما علماء الحنابلة فلا أجد عندهم هذا الاهتمام سوى إشارات يسيرة إلى شيء من التقعيد الفقهي المرتبط بهذا الموضوع، كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والمرداوي، وابن النجار.

٣ - أنه لما كان التقدير الشرعي عبارة عن إعطاء الشيء منزلة على خلاف واقعه، كان هذا مستدعياً لأن يكون التقدير منبعثاً عن سبب معتد به شرعاً، ثم إن صورة التقدير هذه قد جعلته واقعاً على خلاف الأصل؛ إذ الأصل أن يعطي الشيء حكمه على وفق واقعه، ولما كان هذا شأن التقدير الشرعي كان لابد من الاقتصار على ما تدعو الحاجة إليه منه.

٤ - أن للتقدير أسباباً متعددة ومتنوعة بحسب تنوع التقدير ذاته، وقد اجتهدت في حصر هذه الأسباب، فظهر لي أن أكثرها عدداً وأوسعها أثراً ما كان منها متعلقاً بتقدير الموجود معدوماً، ويقرب منها ما كان متعلقاً بتقدير الموجود بمنزلة موجود آخر، وأقل من ذلك ما كان منها متعلقاً بتقدير المعدوم موجوداً أو بمنزلة معدوم آخر. ولعل السبب في هذا التفاوت هو النظر إلى الركن الأول في التقدير، وهو الأمر المقدر وكونه موجوداً أو معدوماً؛ فإن كونه موجوداً أدعى عقلاً لتكرر النظر إليه، ومراعاة حال وجوده، بخلاف المعدوم في هذا الشأن.

وهذا يدعونا إلى القول: إن عناية الشرع بالموجود أشد من عنايته بالمعدوم، ولعل هذا عائد إلى ما هو معلوم في التأصيل الفقهي من أن التكليف متعلق بالموجود، يستوي في ذلك المكلف أو المكلف به.

٥ - أن محل التقدير قد يتنازعه أكثر من سبب، وقد لا يبدو الأمر مشكلاً حين يكون نوع التقدير واحداً، لكن محل الإشكال حينما يكون كل سبب منتجاً لنوع من أنواع التقدير مناقض للنوع الآخر، وحينئذ يكون محل التقدير مجالاً لتعارض الأنظار وتنازع الأفكار، وهذا يفسر لنا توارد الأمثلة الفقهية وتكررها في جملة من أسباب التقدير الشرعي التي تتناقض مواردها.

٦ - أن اختلاف الحكم في محل التقدير بناء على هذا التنازع المشار إليه في الفقرة السابقة قد يكون في النوع الواحد من أنواع التقدير الشرعي، وذلك كما في اختلاف الحكم عند التعارض بين الشك في الشيء والاحتياط للشيء في تقدير الموجود معدوماً، وقد يكون في نوعين من أنواع التقدير الشرعي، وذلك كما في اختلاف الحكم عند التعارض بين ترتب المشقة على اعتبار وجود الشيء وكون الشيء غالباً.

وحينئذ فإن هذا التعارض والاختلاف في الحكم فيه إشارة إلى سبب من أسباب التقدير المختلف فيه، وهو الاختلاف في مأخذ التقدير وسببه الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>