الخاتمة: رزقنا الله حسنها: ليس يخفى على من يعيش الناس، ويتعانى المعاملة معهم – على تنوع طبقاتهم واختلاف درجاتهم – أنهم – ساعة الخلاف – تعظم فيهم رغبة العقول في النصر، ويشتد بهم "حرص النفوس على الانتصار؛ ولو كان بتصيد الشبهات البعيدة، وتعسف الاستدلالات" العجيبة، - إلا من رحم الله - ... ومن أعجب شيء يكون أن الكثير من (الناس) قد يتناقلون كلمات، ويتجاذبون أقوالا؛ ليسوا هم في ثبت منها، أو ثقة بها؛ وإنما يجد الواحد منهم قولاً "يشاع، ويتحدث به عنده؛ فيقره، ويسمعه، ويستوشيه"؛ هكذا ... بلا ترو، ولا تأن ... وإنما من باب التسفيه والتشويه.
"فليتق الله – تعالى – امرؤ على نفسه، وليفكر في أن الله – تعالى – سائل سمعه وبصره وفؤاده عما قاله مما لا يقين عنده به، ومن قطع على إنسان بأمر لم يوقفه عليه: فقد واقع المحذور، وحصل له الإثم في ذلك". وطالب العلم المريد للحق، الراغب به – ولو على نفسه – يعلم أن الله رقيب عليه شهيد على قلبه، فلا يبدي خلاف ما يسر، ولا يعلن غير ما يكتتم .. فلا يزخرف قولا، ولا يزين لفظا – يريد به إبطال حق أو إحقاق باطل -؛ لأن الله به عليم، وله سميع بصير؛ {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}. ولا أجد من مقابلة أذكرها، أو موازنة أشير إليها – لبيان الفرق بين فئة المستوي حاله ظاهراً وباطناً، وبين فئة المدعي خلاف ما هو عليه – بجدله، أو زخرف قوله، أو التلاعب بكلامه – أحسن من كلمات ذاك الصحابي التائب، والعائد الراغب؛ الذي عظم عنده ذنبه، وكبر عليه حاله، فجاء مبادرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول له بقول صادق، وكلام واثق:"والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا: لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذار! ولقد أعطيت جدلا، ولكني – والله – لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني: ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه: إني لأرجو فيه عفو الله" ... فهذا هو المعيار الشرعي، والميزان الأخروي؛ الذي توزن به الأمور، وتضبط خلاله المواقف ... ولئن كان الصدق "قد" يوقع صاحبه – حيناً – بشيء من الابتلاء: فما هذا إلا سبب غرة المؤمن وصفاته؛ وهو – بمنة ربه وتوفيقه – إلى خير قادم، وعلى بر مقبل ... وإذا كان البهت والريب قد يعلي ذكر المتلبس به – حينا – لخبه – ويرفعه؛ فإنه سيكون أخذا له مجرة الهاوية ... ليكون السقوط – له – أشد، إن لم يقر بالحق، أو يرد ... "والحق دائماً في انتصار، وعلو، وازدياد، والباطل في انخفاض، وسفال، ونفاد". وما تبديه السطور مما يغاير القول المشهور: فنفثة مضدور، وهتك لما تكنه الصدور". "وما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه". [مجموع الفتاوى ١٨/ ٢٧٢] ونبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام – يقول: (المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم) ... فاهدنا – اللهم – صراطك المستقيم ...