[نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي]
المؤلف/ المشرف:عبدالسلام العسري
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب ̈بدون
سنة الطبع:١٤١٧هـ
تصنيف رئيس:أصول فقه
تصنيف فرعي:أصول فقه - أعمال منوعة
الخاتمة
وبعد: يطيب لي في نهاية المطاف بنظرية الأخذ بما جرى به العمل في المذهب المالكي، أن أختم الكلام بخلاصة لأهم ثمرات هذه الرسالة.
لقد قسمنا البحث إلى قسمين: درسنا في القسم الأول نشأة نظرية الأخذ بما جرى به العمل وتطورها.
وفي القسم الثاني: درسنا ضوابط نظرية الأخذ بما جرى به العمل.
فخلاصة القسم الأول هي:
١ - إن تعدد الأقوال أمر ضروري لابد منه في كل مذهب حي متطور، ولا يضيره ذلك التعدد، وإنما يعتبر ذلك ثروة فقهية تغني الفقه الإسلامي عموما بالاجتهادات السديدة المناسبة لجميع الحاجيات.
٢ – إذا كان تعدد الأقوال في المجال النظري يدل على حيوية الفقه لإعطائه الحلول المتعددة لكن هذا التعدد في المجال التطبيقي يؤدي إلى تعارض الاجتهادات، هنا وجدنا فقهاء الأندلس والمغرب أسسوا ضوابط للترجيح بين تلك الأقوال المتعددة، فاعتمادا على تلك الضوابط استطاعوا الخروج بقول واحد، أوجبوا على القضاة والمفتين العمل به.
٣ – إن ما توصل إليه فقهاء الأندلس والمغرب من قواعد لنظرية عمل الفقهاء المتأخرين، إنما يعتبر ذلك اقتداء بالإمام مالك في قاعدته (عمل أهل المدينة) التي اعتمدها على صعيد الاجتهاد المطلق.
٤ – إن تطبيق نظرية الأخذ بما جرى به عمل الفقهاء المتأخرين، بدأ بالتدريج خلال قرون متعددة، وكانت البداية في قرطبة أهم مدن الأندلس، فقد اشترط أهل قرطبة على القضاة من أجل الخروج من الخلاف، أن يحكم القاضي بقول ابن القاسم وما عليه أهل الإقليم، وقد اقتدى بذلك أهل المغرب، فكانت ظهائر تولية القضاة تنص على أنه يجب الحكم بالمشهور أو المعمول به.
وخلاصة القسم الثاني المتعلق بضوابط عمل الفقهاء المتأخرين ترتكز على ما يلي:
١ – أن يثبت جريان العمل، بأن يذكر الفقهاء في كتبهم أو في وثائقهم القول الذي جرى به العمل، مع الإشارة إلى القاضي أو المفتي الذي أجرى ذلك العمل، أو الإشارة إلى من أقر ذلك العمل وأيده.
٢ – إن إجراء العمل يدخل في تكييف الوقائع ومحاولة وصفها بأوصاف تقبل الاندراج تحت الأصول الشرعية، ونظرا إلى أن الشريعة جاءت لمصالح العباد، ونظرا إلى أن هذه المصالح تختلف باختلاف البلدان والأزمان، كان لابد لإجراء العمل من مراعاة خصوصيات كل بلد وكل زمان، وكان لابد من اختلاف أحكام العمل باختلاف البلدان والأزمان.
٣ – ومن أجل تحقيق المصلحة ربطت أحكام العمل بأسس وموجبات اجتماعية وكان القول الذي يستند إلى إحدى تلك الأسس والموجبات الاجتماعية قولا جديرا بأن يعمل به، ويرجح على غيره من الأقوال، وقد استفاد الفقهاء المتأخرون بعض تلك الأسس والموجبات من أسس عمل أهل المدينة، كاعتبار ما اعتمده القضاء والإفتاء، والعرف، وعموم البلوى، واعتبار الاتصال والاستمرار في التطبيق، كما أضافوا إلى ذلك موجبات أخرى أخذوها من الأصول العامة للمذهب المالكي، كاعتبار المصلحة المرسلة، وسد الذريعة وفتحها، ورعاية الضرورة والحاجة.
٤ – إن باب إجراء العمل والترجيح بين الأقوال، ليس بابا مفتوحا لكل أحد، بل لابد لمن يرجح بجريان العمل من الحصول على مؤهلات فقهية، وتوصلنا إلى أن المرتبة المحتاج إليها في بناء أحكام العمل على ما سوى العرف هي مرتبة مجتهد المذهب (أي مجتهد التخريج) وعند انعدامه فيمكن أن يسد فراغه مجتهد الفتيا (أي مجتهد الترجيح).
أما أحكام العمل التي تبنى على العرف، فإنه تكتفي في إجرائها بمرتبة الفقيه المقلد الصرف لأن العرف أمر ظاهر، يشترك في إدراكه الخاص والعام.
وأختم كلامي بحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.