وبعد، فهذا عرض لأصول مناهج علماء الفقه، وكيفية استنباطهم الأحكام، وموقع الشريعة من هذه المناهج, وبيان للمدى الذي انتهي إليه أتباع أئمة كل منهج.
ومن هذا كله تنكشف لنا عدة أمور، منها:
- أنه يجب على دعاة (منهج النصوص) اليوم، والمغالين في رفض كل معقول، يوافق الحق، والشرع، ويحقق الخير ... بحجة (لم يردْ) عليهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن يعلموا أن الشرع والعقل أخوان ارتضعا من لبان واحدة، فما كان لصحيح العقل أن يناقض الشرع.
- وأنه يجب على دعاة (العقل) اليوم، والمغالين فيه إلى درجة طرح الشرع، وإهدار النصوص، بل والسخرية من أصحابها حينا، بل والتهجم الجاهل الحاقد على النصوص نفسها – على هؤلاء أن يدركوا أن عمق دلالة النصوص كالبحر المحيط، يغترف منه ذو العلم على مقداره، من غير أن ينفد البحر ... فليعرفوا – في هذا المقام – قدرهم، ولا يتعدوا طورهم، وليعلموا أن وراء سويقته أسواقا للعلم رابحة، وبحارا له طامية، وفوق مرتبتهم من العلم مراتب فوق السها " أريها السها وتريني القمر " وأن كثيرا مما يكتبه هؤلاء – في معارضتهم للشريعة – يثير أسى العالمين، وسخرية العاقلين، مما يدفع كثيرين منهم إلى الإعراض عن حوارهم، إذ لم يكونوا أصحاب حق، ولا طلاب صواب. بل هم قوم اتبعوا أهواءهم فضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا, وضلوا عن سواء السبيل {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}؟
- وأوجب من هذا وذلك أن نعلم أن ميدان الاجتهاد في الفقه ميدان رغيب، وأن مجالاته باقية ببقاء الناس، وأن نصوص الشريعة ما زالت تُجن الكثير من العطاء، وأنه يجب علينا:
أ - أن نخلص ماضي الفقه من الغلو في الجمود ومن الغلو في الجحود.
ب - وأن نجتهد في استنباط الأحكام لكل جديد، استنباطا علميا، تحكمه قواعد الاستنباط الصحيحة.
جـ- وأن يكون هذا الجهد جماعيا، لا فردياً، إذ تشعب العلوم، وتشاجر المصالح، وتعدّد مجالات العمل والحياة أصبحت فوق قدرة الفرد.
د- وأن يصحب ذلك كله اليقين في أن شرع الله هو الهدى لمن شاء أن يستقيم.