[التعديل والتجريح]
المؤلف/ المشرف:سليمان بن خلف أبو الوليد الباجي
المحقق/ المترجم:أبو لبابة حسين
الناشر:دار اللواء ̈الأولى
سنة الطبع:١٤٠٦هـ
تصنيف رئيس:علوم حديث
تصنيف فرعي:جرح وتعديل
الخاتمة
وبعد، فإن هذا الكتاب "التعديل والتجريح" للقاضي أبي الوليد الباجي سَيَمْلأُ فراغاً يستشعره كلُّ من داوم النظر في علم الرجال وَثَافَنَ مُصَنّفاتِهم، من علماء الحديث وفي الوقت نفسه سَيَدْعَمُ ثقتنا المطلقة بالإمام البخاريّ الذي أذعن له علماءُ عصره بالفضل، وشهد له علماء الأمّة بالسبق، وأجمعوا على أنّ صحِيحَه أَصَحُّ كتاب عبد كتاب الله، حيث يُفْْصِحُ كتاب التّعديل والتّجريح عن مكانة رواة الجامع الصّحيح العلمية، وعن أمانتهم وتمام ضبطهم وتقواهم وصلاحهم، مِمَّا يجعل هذا الصحيح فوق مستوى الشبهات ويجعل رجاله وَبِلا ـ استثناء ـ ممن اجْتَازُوا القنطرة على ملحظ بعض النُّقَّاد كما جاء ذلك في هدي الساري.
فهذه الرسالة أضافت كتاباً من كتب الرجال استوعب أَهَمَّ ما في الكُتُبِ السابقة في تاريخ الرجال وقواعد الجرح والتعديل، والذي يُضْفي عليه هذه الأهمية، قُدرة الباجي على استغلال مصادره. لما يتمتع به من ذهنية نَيِّرَة تستخدم المنطق والعقل القائمين على العلم في قبول ما تقبله وردّ ما تردُّه، فهو كتاب خالٍ من التعصّب والغلوّ والإِسْفاف.
وهذا الكتاب ولئن كانت بَعضُ تراجمه مختصرة غير مُجْزِيَة، فإنَّ أغلب تراجمه الأخرى يمكن الاستفادةُ منها استفادةً كاملةً، سِيَّمَا بعد التعليقات والملاحظات التي أضفتها في هوامش الكتاب.
والطريف الذي يتميز به الباجي في معالجته لمسائل الحديث هو المنزع العقلي، ففي مبحث تصحيح الأحاديث وتصنيفها يرى أنّ الطريق إليه الاجتهاد وإعمال الرأيّ. ودليله: أن البخاري أخرج أحاديث اعتقد صحّتها لم يخرجها مسلم لاعتقاده فيها غير ذلك.
ولا شكّ أن أبا الوليد الباجي لا يعني بقوله (لاعْتِقَادِهِ فِيهَا غير ذلك) أنّ هذه الأحاديث غير صحيحة، وإنما يعني أنّها لم تبلغ أعلى درجات الصحة سيّما والأمر متعلق بأنقى صورة للعدالة وأتم حالة للضبط، وهما من المقولات بالتشكيك، حيث لا توجد معايير مَادِّيَّة دقيقة يُحْتَكَمُ إليها في تحديد مَدَى قُوَّتِهما وضعفهما، فضلاً عن هذا فإنَّ العُلماء قد يختلفون حول الحديث الواحد فمنهم من يُصَحِّحُه ومنهم من يُضَعِّفُهُ وذلك:
(أ) لاختلافهم أحياناً حول اجتماع شروط القبول في الحديث أو عدم اجتماعها.
(ب) لاختلافهم في اشتراط بعض صفات القَبُول.
أما عملية تصحيح الأحاديث أو تحسينها أو تضعيفها فيرى الباجي أنَّ بَاب الاجتهاد في هذا الأمر ليس حِكْراً على قوم دون آخرين، وإنَّما هو مفتوح للجميع وفي كل الأعصار على أن يكون المُتَصَدِّي لذلك من أهل العلم بالحديث وعلومه، أمّا من لم يكن من أهل العلم فعليه تقليدُ العلماء كالبخاريّ ومسلم ومالك وغيرهم فيصَحِّحُ ما يُصَحِّحُونَ وَيُحَسِنُ ما يُحَسِّنُون، ويتوقف فيما يسكتون عنه.
كما أنَّ هذه الرسالة تقدّم لأول مرة أبا الوليد محدثاً، عَالِماً بالحديث فَحْلاً في شرحه له، عارفاً بمصطلحاته وبفنونه المتشعِّبة وبخاصة الجرح والتعديل.