[تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام]
المؤلف/ المشرف:محمد سهيل طقوش
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار النفائس - بيروت ̈الثانية
سنة الطبع:١٤٢٠هـ
تصنيف رئيس:تاريخ
تصنيف فرعي:تاريخ - المماليك
الخاتمة
لم يرَ العثمانيون أيةَ مشكلةً في تمديد النظام المملوكي شرط التمكين من السيطرة عليه، لذلك سمحوا بوجود وحدات عسكرية أخرى ذات أصل غير عربي مثل الإنكشارية، في موازاة المماليك.
وعليه، ظل هؤلاء يحكمون مصر حتى أوائل القرن التاسع عشر من خلال سلطة الوالي الذي يعينه الباب العالي، ويُلاحظ أنه كلما ضعفت سلطة الباب العالي، وتراجع اهتمامه بأمور الولايات العربية، ومنها مصر، من وقتٍ لآخر، كان يتبعه تراجعُ قوة ولاته، مما يزيد من قوة البكوات المماليك تبعاً لذلك.
وبقي المماليك، كما كانوا منذ عدة أجيال، طائفةٌ منعزلةٌ عن المجتمع المصري، لا يختلطون بالمصريين ولا يسكنون معهم، وما زالوا يتكاثرون عن طريق شراء مماليك جدد.
لكن حدثت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين تحولات سياسية تمثَّلت بدخول المماليك في الوحدات العسكرية الموازية لهم، وبدخول المصريين من أوساط التجار والحرفيين في هذه الوحدات العسكرية غير العربية، وطغت سلطتهم كعسكريين أحياناً على قوة الوالي العثماني بحيث أضحى باستطاعتهم تنحية الباشوات عن مناصبهم وتعيين مسؤول كبير من صفوفهم ليتولى مهام الحكم مؤقتاً إلى حين إرسال الباب العالي والٍ جديد إلى مصر، وقد حدثت أول تنحية في عام ٩٩٤هـ/١٥٨٦م.
وسعياً إلى تجنب تدهور سلطته اتجه الباب العالي إلى زيادة حدة التنافسات الداخلية، والجانب الرئيسي من نشاط الباشوات المجردين من بقية سلطاتهم إنما تمثَّل في تنمية روح الانفصال لدى الطبقة الحاكمة، فشهد المجتمع العسكري في مصر انقساماً حزبياً متصارعاً، يوجه كل حزب بكوات مماليك، وزعماء انكشاريون، ومصريون بدو، نتج عن هذه النزاعات غلبة البكوات المماليك في القرن السابع عشر الميلادي، فسعوا إلى إعادة توحيد الطبقة الحاكمة باحتكارهم جميع المناصب الرسمية في الإدارة كما في الفِرَق العسكرية الأخرى.
نتج عن تراجع قوة الإنكشارية التي تحوَّلت إلى قوات شرطة عادية، أن أضحت تحت سيطرة المماليك.
والواقع أن صعود المماليك إلى السلطة كان نتيجة حركة طويلة الأمد، اتخذت طابعاً ملموساً منذ عام (١١٣٢هـ/١٧٢٠م) عبر ظهور وظيفة جديدة في الهيكلية الإدارية المملوكية هي وظيفة شيخ البلد، ويُعهد بهذه الوظيفة عادةً إلى أقوى زعيم مملوكي.
ونجح علي بك الكبير، وهو من بيت مملوكي، في تحقيق تطور سياسي لافت بعد أن أضحى شيخ البلد، بإنشاء ما أمكن تسميته بالدولة المملوكية الجديدة بين أعوام (١١٨١ - ١١٨٤هـ/١٧٦٧ - ١٧٧٠م).
وفي أواخر عام ١٧٧٠م ينخرط علي بك في تحقيق مشروع خارجي، فبعد أن ثبَّت أقدامه في مصر، تطلَّع إلى ضم فلسطين وبلاد الشام لبعث الدولة المملوكية القديمة، معتمداً على حليفه ظاهر العمر الزيداني، صاحب عكا، إلا أنه فشل في تحقق هدفه بعد خيانة قائده أبي الدهب، واضطر إلى اللجوء إلى سيد عكا في (شهر محرم عام ١١٨٦هـ/شهر نيسان عام ١٧٧٢م)، في حين أضحى قائده شيخ البلد.
لقد جعل محمد أبو الدهب مصر مستقلةً عن الباب العالي (١١٨٦ - ١١٨٩هـ/١٧٧٢ - ١٧٧٥م) وهدفت سياسته إلى إحياء السلطنة المملوكية القديمة، فسيطر مماليكه على جميع وظائف الإدارة الرئيسية، وأضحى الوالي العثماني أشبه بسفير للباب العالي مهمته التصديق على قرارات شيخ البلد مع الاعتراف الشكلي بسلطة الباب العالي.