الخاتمة: أحمد الله – سبحانه وتعالى – على أن هداني إلى كتابة هذا البحث، وأعانني على إتمامه وفق ما رسمته، وأسأله – جلت قدرته – المزيد من فضله والتوفيق لما يحبه ويرضيه. ولا بد من القول هنا إنني لم أضف جديداً فيما كتبت، ولن أدعي بأنني أتيت بما لم يأت به الأوائل من علمائنا الأجلاء، بل كل جهدي كان في جمع أقوال العلماء ومذاهبهم في موضوعات هذا البحث، وترتيب هذه الأقوال وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وترجيح ما رأيته أقوى دليلاً وتعليلاً من هذه الأقوال.
وأما أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، فأذكر طرفاً منها فيما يلي:
١ - أن هذا البحث يبرز بوضوح حالة هذا المخلوق الضعيف في المجتمع الجاهلي، وما كان يعامل به ويعانيه ويكابده من ضروب الإيذاء وسلب الحق والحرمان من الميراث، وحالته في الإسلام. فبينما كانت الجاهلية تحرمه من الميراث محتجة في ذلك بأنه لا يركب فرساً ولا ينكأ عدواً، جاء الإسلام فأعطاه حقه من الميراث وسائر الحقوق المالية، حتى ولو كان لا يزال في بطن أمه لم يخرج إلى الدنيا بعد، فجعله يرث من مال أبيه المتوفى وهو لا يزال جنيناً، وجعله أهلا لصحة الوصية له والوقوف عليه.
وبما أن الغذاء لا يصل إليه – ما دام جنيناً في بطن أمه – إلا بواسطة الأم، أوجب نفقتها على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم – إن لم يكن له مال -، فإن كان له مال، وجبت نفقتها في ماله. ثم بعد خروجه إلى الدنيا، أوجب له حقوقاً أخرى تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة، فأوجب نفقته وأجرة رضاعه وحضانته وختانه – إن لم يكن له مال – على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم، وأوجب نفقته في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له من أقاربه من يستطيع الإنفاق عليه، وجعل له حقاً في خمس الغنيمة والفيء يجب أن يكون بيت المال حافظاً له عليه، إذا وجد، دفع إليه. وإذا لم يقم بيت المال بالإنفاق عليه، فعلى جماعة المسلمين أن يبادروا إلى إغاثته وتفريج الكربة عنه. فعلى المسلمين، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، العناية به بتوفير ما يضمن له ضروريات الحياة، من السكن والغذاء واللباس والتعليم والعلاج، وانتشاله من هذا الضعف والفقر والتشرد والضياع بكل وسيلة مشروعة، كإنشاء دور الأيتام والمدارس لهم، وإن كان من الأفضل أن يعيش اليتيم في كنف أسرة تقية ينشأ مع أبنائها، ويعامل كما يعاملون؛ لأن دور الأيتام لا توجد الحنان كما توجد الأسرة.
٢ - وبما أن اليتيم ضعيف لا يقوى على الانفراد بمواجهة هذه الحياة وتحمل أعبائها إلا بعد أمد طويل يستغرق سنوات، وهو في هذا الضعف يحتاج إلى رعاية تامة تتعلق بنفسه وماله، شرع الإسلام الولاية عليه من الناحية النفسية والمالية، وأرشد الولي إلى فعل ما فيه الخير والصلاح له في حاضره ومستقبله، فأوجب عليه أن يبذل كل ما في وسعه لإصلاح ماله ونفسه، فيصلح نفسه بالتعليم والتربية والعطف والحنان، ويحفظ ماله بالحفظ والتنمية، وبالنسبة لمال اليتيم، حمل الولي عليه في ماله واجبات يجب أن يقوم بها، وتتلخص هذه الواجبات فيما يلي:
الأول: المحافظة على مال اليتيم: فيجب على الولي أن لا يدفع إلى اليتيم أمواله ما دام صغيراً لا يستطيع التصرف في ماله بوجه أحسن، فكان الحجر عليه؛ صيانة لأمواله.