ومع ذلك يجب على الولي أن يأذن له بإبرام العقود والمعاوضات المالية؛ ليتدرب على التجارة، وليعرف مدى حسن تصرفه ونجابته في تصريف ماله، ومن ثم يسلم إليه ماله عند قناعته التامة بأنه رشيد. ويجب على ولي اليتيم أن يبذل كل ما في وسعه لحفظ ماله من أسباب التلف والهلاك، فيكون تصرفه مبيناً على المصلحة والغبطة، فلا يتصرف لمصلحته هو، إلا ما يأخذه مقابل ولايته عليه. وقد أعنى العلماء عناية تامة بهذا الجانب، فكانوا يصدرون فيما يقررونه من أحكام في تصرفات الولي في مال اليتيم من منطق تحقيق المصلحة لليتيم وطلب الأحسن له، ولذلك نراهم يعللون بالأحظ والأصلح والغبطة والأحسن أو عدمها، وما جرى بينهم من خلال في بعض التصرفات، مرده في جملته إلى تفاوت مقاييسهم في تحديد المصلحة لليتيم.
الثاني: إخراج ما يجب في مال اليتيم: أوجب الله – سبحانه وتعالى – في مال المسلم واجبات يقوم بها، فإذا كان المال لليتيم، قام مقامه وليه في إخراج هذه الوجبات. وأهم ما يجب في مال اليتيم ويلزم الولي إخراجه ما يأتي:
١ - النفقة: الأصل أن نفقة الإنسان في ماله إن كان له مال، فيخرج الولي من مال اليتيم مقدار نفقته بالمعروف، من غير إسراف ولا تقتير.
٢ - الزكاة والأضحية: يجب على الولي أن يخرج زكاة ماله إذا بلغ نصابه، من غير فرق بين الزروع والثمار وسائر الأموال، وأن يضحي عنه من ماله.
٣ - ضمان ما أتلفه اليتيم: يجب على الولي أن يخرج من مال اليتيم قيمة ما أتلفه اليتيم، إذا لم يكن الإتلاف بتفريط من مالكه، وأن يخرج أروش جناياته.
الثالث: دفع مال اليتيم إليه: يجب على الولي أن يدفع لليتيم ماله بمجرد بلوغه رشيداً، من غير حاجة إلى فك الحاكم، ومن غير تفرقة بين رشد اليتيم واليتيمة. وإذا دفع إليه ماله، يجب عليه أن يشهد عند الدفع؛ لتظهر أمانته وبراءة ساحته. وإذا بلغ غير رشيد، يجب عليه أن لا يدفع إليه ماله، وإن بلغ ما بلغ. هذا طرف من أبرز ما توصلت إليه في هذا البحث المتواضع من النتائج، ولا أرى حاجة إلى سرد الموضوعات التي تطرقت بحثها؛ تجنباً للتكرار، مكتفياً في ذلك بالفهرس التفصيلي لها.
وختاماً، أتوجه بالنصح إلى أولياء اليتامى وأوصيائهم أن يتقوا الله فيهم ويراعوا حقهم، كما لو كانوا لهم أبناء فيحسنوا تأديبهم وتعليمهم ما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، كما أن عليهم أن يحفظوا أموالهم ويسعوا في إصلاحها وتنميتها، وأن لا يعرضوها للتلف أو النقص أو الاستئثار بشيء منها.
وليكونوا في الإشراف عليهم في حذر من غضب الله، وليعلموا أن الإهمال في حق اليتيم لا يقتصر ضرره على اليتيم، بل هو ضرر تتفشى جراثيمه وتنتشر سمومه في جسم الأمة، فيعتريها الضعف والانحلال، وتبوء بالخزي والدمار.
وليذكروا أن ما جاء عليهم يجوز في أولادهم، فإن خشوا أن يصيب أولادهم ظلم من بعدهم، فليتقوا الله فيهم، وليقولوا لهم قولاً سديداً. ثم ليعلموا أن من كفل يتيماً وأحسن كفالته، ليس له جزاء إلا الجنة، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)). وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.