للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة)]

المؤلف/ المشرف:أحمد محمد أحمد جلي

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض ̈الثانية

سنة الطبع:١٤٠٨هـ

تصنيف رئيس:فرق وملل ونحل

تصنيف فرعي:خوارج

الخاتمة

عالجت هذه الدراسة في بدايتها الخلاف حول الإمامة، وما ترتب عليه من ظهور جماعات انحرفت عن المنهج الإسلامي. وقد تبين لنا من خلال ذلك كيف أن الانحراف عن الصراط المستقيم يبدأ يسيراً هيناً ثم لا يلبث أن يتعمق حتى يبعد بالبعض عن الإسلام، الأمر الذي يحتم ضرورة التمسك بحبل الله المتين والاعتصام بالسنة النبوية، درأ للزيغ والضلال ودفعاً للزلل والخطأ. كما تبين لنا أيضاً أن من أخطر المزالق اتباع الهوى وتحميل النصوص ما لا تحتمله تعضيداً لرأي أو هوى خاص، بدلاً من إخضاع الهوى والرأي لميزان الشرع.

وقد أشرنا إلى خطأ بعض المؤرخين الذين تناولوا أحداث ما يعرف (بالفتنة) من غير تمحيص لما ورد فيها من روايات، وبيان صحيحها من باطلها، وكيف أدى بهم هذا الخطأ المنهجي إلى تجريح الصحابة وإصدار أحكام عليهم من غير دليل ولا برهان. وبينا أيضا تهافت المزاعم التي تعلل بها الذين خرجوا على الخليفة عثمان، وأثبتنا من خلال الروايات الصحيحة أنه رضي الله عنه لم يأت منكراً في توليته بعض أقربائه، أو تأديبه لبعض الصحابة، أو شموله بعطفه بعض أفراد أسرته. وأن الصحابة الذين عايشوا أحداث الفتنة بُراءوا من دم عثمان. وأن الفتنة في حقيقتها تولدت من ظروف معينة استغلتها جماعات طامعة وأفراد حاقدون طوروا تلك الأحداث حتى انتهت إلى ما انتهت إليه.

ومن خلال الفتنة وما أعقب مقتل الخليفة عثمان من أحداث ظهر فريقان متقابلان: أولهما جماعة الخوارج التي تمسكت أحياناً بظواهر بعض الآيات وفهمتها فهماً خاصاً مع إهمال لآيات أخرى وعدم ربط الآيات بعضها ببعض، الأمر الذي أدى بهم إلى اتخاذ مواقف معينة تجاه الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين، وفي إطار هذه الظاهرة أشرت إلى مواقف بعض الجماعات المعاصرة التي انتهجت نهجاً يقرب من منهج الخوارج، على اختلاف بين الفريقين في الدوافع والغايات.

أما الفرقة الأخرى فهي فرقة الشيعة التي وُضِعَتْ بذورها ونمت إبان هذه الفترة، حيث حاولت جماعات معينة أن تستغل عواطف بعض المسلمين وحبهم لآل البيت، وأذكت أُوار هذه العواطف حتى طغت على منطق العقل ومسلمات الوحي، وهكذا رأينا كيف أن حب آل البيت أصبح مدخلاً لطوائف غالية حاولت هدم الإسلام وتخريب عقائده وتقويض أركان شريعته. ودفع الولاء لآل البيت جماعات أقل تطرفاً إلى تبني نظريات في الإمام والإمامة تختلف إلى حد كبير عن تصور الإسلام لهذه الوظيفة ومن يقوم بها. كما أن الدفاع عن هذا المعتقد ومحاولة إثباته أدى بفريق آخر من الشيعة إلى الطعن في القرآن والتشكيك في السنة والتهجم على الصحابة رضوان الله عليهم، وتجريحهم. ولم يلبث تيار الغلاة أن قوي عوده وانتظم أمره عند طائفة الإسماعيلية أو (الباطنية) من الشيعة التي مثلت خطراً حقيقياً على الإسلام والمسلمين. وقد استعرضنا نماذج لهذه الحركات الباطنية، كالقرامطة، والفاطميين وما تولد عنهما من حركات ومنظمات علنية أو سرية. وقد بينا كيف أن بعض هذه الجماعات اتخذت من التشيع ستاراً حاولت من خلاله بث أفكارها المناهضة للإسلام واستغلت فكرة الظاهر والباطن الشيعية لإلباس آرائها الهدامة ثوب الإسلام. وبلغ الانحراف عند بعض الفرق درجة أدت إلى خروجها من الإسلام. بل إن طوائف كطائفة الدروز أعلنت في صراحة انسلاخها من الإسلام وأكد أتباعها أن انتماءهم إلى هذا الدين لا يتجاوز أن يكون انتماءاً تراثياً يمثل فيه الإسلام جزءاً من تراثهم العقدي الذي يشمل كل المذاهب والأديان السابقة سماوية وغير سماوية.

وهذا كله يوضح لنا خطر هذا التيار الباطني الذي تجاوزت آثاره دائرة الإسماعيلية وما تفرع عنها، وامتد خطره إلى دائرة الصوفية والفلاسفة، بل إن آثاره لازالت ماثلة في العديد من الحركات المشبوهة والجماعات المنحرفة كالبابية والبهائية والقاديانية، التي تشربت مبادئ الباطنية وحاولت عن طريقها هدم الإسلام والتحلل من أحكام شريعته، وعلى كل فإن آثار التيار الباطني وخطره المعاصر يحتاج إلى معالجة خاصة نأمل أن نتمكن منها في المستقبل القريب بإذن الله.

والله الهادي إلى سواء السبيل

<<  <  ج: ص:  >  >>