وقد درس في هذه الفصول الستة عن حياة ابن عربي بالتوسع كما ترى إن شاء الله تعالى أثناء إلقاء نظرتك العابرة على حياته وذلك من مولده إلى وفاته، وقد تنقل الرجل من مسقط رأسه مرسية بعد أن بلغ سنة على ما قيل: ثمانية عشر عاماً في البلاد المغربية من مدينة إلى مدينة حسب زعمه إلى أن وصل إلى مكة فألف فيها بعض كتبه كالفتوحات المكية والفصوص وقد تكلم العلماء عليه كما تجد ذلك موضحاً في فتاويهم التي نقلها العلامة الفاسي في العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (١٦١/ ١٩٩/٢) وهي أطول ترجمة له، ولذا قال الفاسي أبو الطيب رحمه الله تعالى: وقد أتينا في ترجمة ابن عربي بما لا يوجد مثله مجموعاً في كتاب وقد عنى بعض أهل العصر الذي ليس له كثير نباهة ولا تحصيل بتأليف ترجمة ابن عربي وذكر فيها أشياء ساقطة وبينا شيئاً من ذلك في الترجمة التي أفردناها لابن عربي. اهـ.
قلت: وقد جمع العبد الفقير إلى عفو ربه كاتب هذه السطور ترجمة ابن عربي من مصادر كثيرة ربما كانت خافية على العلامة الفاسي أو كان أصحابها متأخرين عن العلامة الفاسي، وقد جد في ترجمة ابن عربي شيء كثير من الجرح والتعديل فوقف هذا المعدم الفقير من هؤلاء المعدلين موقفاً لا يرضاه كثير من الناس، ثم أقدم بعض الناس المتأخرين بإدخال ترجمة ابن عربي في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وذلك بعد موته بسنوات عديدة بطريقة فنية رائعة، وظن أنه لا يمكن لأحد أن يكشف هذا العمل الشنيع لأن صاحب الكتاب قد مات وليس لأحد بعده أن يحقق الموضوع بالدقة أو يمحصه تمحيصاً بحيث تظهر هذه الخيانة الكبيرة أمام الناس في هذا العصر الذي قل من يهتم بهذه الأشياء فيه، إلا أن الله تعالى قد وفق هذا العبد الضعيف بما لم يكن بمقدوره لولا تسديد الله لي وتوفيقه على دراسة هذا الموضوع دراسة جدية لعظيم خطره وجسيم ضرره على العقيدة الإسلامية الصحيحة، فجاءت هذه الدراسة الموسعة في ابن عربي الأندلسي وعن نحلته وأفكاره المدمرة للخلق والإيمان، ففله الحمد والمنة وبنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والله أعلم، وبه انتهى الباب الثاني وسوف يليه الباب الثالث وهو بعنوان فصل الخطاب في رد مزاعم الغراب والدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.