للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منهج السنة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم]

المؤلف/ المشرف:يحيى إسماعيل

المحقق/ المترجم:بدون دار الوفاء - مصر ̈الأولى

سنة الطبع:١٤٠٦هـ

تصنيف رئيس:توحيد وعقيدة ومنهج

تصنيف فرعي:معاملة الحكام - الدخول عليهم

قد يظن ظان ويرى راء أننا فيما كتبنا لم نخرج من دائرة التدوين التاريخي لما كانت عليه الدولة الإسلامية أول أمرها، وأننا لم نتجاوز الإخبار عما كان.

ولعل عذر هؤلاء ما يلمسونه من حال التمزق التي يعانيها العالم الإسلامي منذ سقوط راية الخلافة بزوال الدولة العثمانية آخراً - وهي التي كانت تمثل الواجهة السياسية للعالم الإسلامي. وتلك حال لن تدوم.

إن العالم الإسلامي لم يكن مهيئاً لقبول فكرة الدولة الواحدة والحاكم الواحد مثل تهيئته لها اليوم.

لقد لبس كل رداء وجرب كل جديد. وماذاق من ذلك إلا الصَّاب وما شرب إلا العلقم.

وقد اكتشف مؤخراً أن الذين جرعوه كؤوس المهانة ما كان لهم أن يصلوا إلى بعض ما وصلوا إليه بغير اثنين.

١ - هوى بالمعصية استقر في نفسه.

٢ - ثم حرص مهين على الحياة.

وبدأ بطريقة العلاج.

لقد انتهت بحمد الله الكسروية والقيصرية بضربات الأيادي المتوضئة، وكسب العالم بزوالها كسباً كبيراً، فأصبح للرأي حرمة بعد أن كان جريمة يعاقب عليها، وللحرية دولة بعد أن كانت رجساً يحرم على الشعوب الاقتراب منه.

وتلك أمور حرمها طويلاً حتى نسيها فجأة الإسلام فذكره بها وما بقى إلا أن يسترد المسلمون حقهم فيها بأن يمدوا أيديهم إلى دينهم مد الحريص عليه الضنين به.

وهم إن لم يفعلوا فإن الإسلام آت لا ريب فيه، وربما كان المجيء على يد عدوهم كما جاء بالأمس القريب، وسيكون بثمن عظيم. لقد كان الترك والديلم أعدى أعداء للمسلمين فصاروا حماتهم وقادتهم على عصبية مريضة فيهم لم يخلعوها فعنت بحكمهم غيرهم.

لقد أضحت الحكومة العالمية الآن حكومة فكرة ولم تعد حكومة عائلات وأسر وما كان هذا ليكون لولا رحمة الإسلام ومثاليته ونوره الذي أضاء الخافقين.

وإن الأفكار التي أنبتت حكومات بعدوى الإسلام لم يظفر العالم منها بخير.

ولم يبقى من ملجأ للعالم إلا أن يرجع المسلمون إليه يقودونه بهدى الله ورحمة الإسلام، ولن يستقيم لهم وله ذلك إلا بعد أن يجمعوا أمرهم وينظموا على الإسلام عقدهم.

فهم أصحاب الفضل في إثارة الفكرة الواحدة والحكومة الواحدة والأمة الواحدة والدعوة التي لا تقبل ساحتها تمييزاً لأحد.

وما أحوج المسلمين اليوم إلى الحكومة الواحدة التي ترد إليهم عزتهم وتحفظ لهم مكانتهم وتعلي لهم ذكرهم وتصون لهم حقهم.

إن عودة خلافة النبوة ثانية لحكم العالم أمر مرتقب واقع لا محالة بدليل السنة وشهادة التاريخ.

أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها) (١).


(١) مسلم ك الفتن ٥/ ٧٣٩، وأبو داود ك الفتن ٢/ ٤١٣، والترمذي ك الفتن ب ما يكون من الفتن ٢/ ١٣٠٤.
أحمد في المسند ٤/ ١٢٣ - ٥/ ٢٧٨، ٤٨٤. وهو جزء حديث له.
ومعنى زوى: أي جمع.
قال الخطابي: يتوهم بعض الناس أن حرف (من) في قوله (ما زوى لي منها) معناها التبعيض، فيقول: كيف اشترط في أول كلامه الاستيعاب، ورد آخره إلى التبعيض وليس على ذلك ما يقدرونه، وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئاً منها. لكنه يأتي عليها شيئاً شيئاً، ويستوفيها جزءاً جزءاً والمعنى إن الأرض زويت جملتها له مرة واحدة فرآها. ثم يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها، فيكون هذا المعنى التبعيض فيها.
معالم ٦/ ١٣٦
آمنا وأيقنا وأعددنا النفس لها إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>