لما كانت المرأة أعظم ابتلاء دنيوي على الإطلاق على نحو يرتبط به مصير هذه الأمة التي إن أطلقت فيها الفتنة اختلت وضلت، وإن منعت منها فقد فازت وتقدمت ونجت ما أشرنا إلى ذلك .. فقد بين الله لنا مدى هذه الفتنة في قوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} كما بينها رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله "ما تركت في أمتي فتنة أضرّ على الرجال من النساء". وحذرنا صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة فقال:" ... فاتقوا الدنيا واتقوا فتنة النساء" وعليه جاء أمر الحجاب تقية لنا من هذه الفتنة .. ومن ثم كان لابد من تناوله بالبحث الدقيق كما تناوله أعداؤنا بالتخطيط الماكر الحصيف، لبيان ومعرفة حكمته، والفصل في حكمه بما يقطع الشك، ويذهب الريب.
وقد رأينا من خلال ذلك العرض السالف من هذا البحث أن الله تعالى قد أمر المؤمنات بالاحتجاب عن الرجال، وأن النقاب هو صورة من صور هذا الاحتجاب الذي قد يتم بمانع رؤية آخر كالحائط وغيرها .. وقد بينا الدلائل الكافية، والبراهين الشافية من القرآن والسنة وأقوال الصحابة وفقهاء المذاهب على وجوب الاحتجاب في الأصل، وتحريم إظهار الوجه والكفين، وتحريم النظر إليهما في جميع الأحوال .. ما لم يكن الكشف والنظر مباحا بنص شرعي كما في الإحرام، والخطبة وأمام المحارم، أو جائزاً لضرورة علاج، أو لأجل معاملة تقتضي الشهادة .. لها أو عليها، أو تعليم واجب عليها إذا تعذر ذلك من وراء حجاب، وأمنت الفتنة في هذه الأحوال على التفصيل الذي رأيناه.
وقمنا بعد ذلك بعرض تلك الآراء التي ارتأت أن الحجاب هو اللباس الذي يستر الجسم فيما عدا الوجه والكفين، وهو اللباس الذي تصح به الصلاة، فسردنا أدلتهم وناقشناها معهم ثم انتهينا إلى أنه لا يوجد دليل شرعي صحيح يمكن الاستناد إليه لإطلاق الإباحة في إظهار الوجه والكفين في كل الأحوال .. لا عند خروجها على إطلاقه، ولا عند أمن الفتنة .. طالما ليست هناك حاجة تستدعي ذلك الكشف، وتجوز النظر كما بينه الفقهاء في سائر المذاهب وأوردنا أمثلة لذلك فيما سقناه .. كما أوضحنا بأن القول باستحباب النقاب دون وجوبه أمر يؤدي إلى تسوية النساء الشابات بالقواعد منهن في أفضلية النقاب .. مع أن الصحيح هو الوجوب للشابات منهن، والاستحباب للقواعد منهن كما رأينا، ويؤدي كذلك إلى التسوية بين الوضع في الإحرام والوضع في غيره وهذا وذاك يعد مخالفة صريحة للآية الخاصة بالقواعد، وأحاديث النهي عن الانتقاب في الإحرام، وجواز تغطية الوجه بغيره سدلاً عليه .. كل ذلك فوق مخالفته لما سقناه من آيات وأحاديث وتطبيقات قطعت بوجوبه واحتجاب المرأة عن الرجل على النحو الذي رأيناه في شريعة الله الغراء يعد أساساً لأغلى حقوق الإنسان في المجتمع الإسلامي الذي يقيد الشهوات .. ذلك لأنه يوجد جوا إيمانياً هادئاً مطمئناً تكون فيه المرأة أمينة على الرجل لا تثير غريزته، ولا تؤجج شهوته كي يطهر المجتمع من العبث، وينقى من الدنس .. ولكن هذا الجو الإيماني الهادئ افتقدته تلك المجتمعات الإسلامية المعاصرة ففقدت كل شيء .. فها هي لم تعمل عملا ترضى به نفسها كما فعلت تلك المجتمعات المغايرة، ولم تعمل عملاً ترضي به ربها، وصارت فريسة التدبير الصهيوني الماكر الذي جعل المرأة ملهية كاسية عارية، تحوز الإعجاب في أعين المسعورين، وتخر لها قلوب الملهوفين .. وهي لا تدري أن الله تعالى قد لعنها وأعد لها ما أعد من العذاب.