[التكليف في ضوء القضاء والقدر]
المؤلف/ المشرف:أحمد بن علي عبدالعال
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار هجر - أبها ̈الأولى
سنة الطبع:١٤١٨
تصنيف رئيس:أصول فقه
تصنيف فرعي:قدر وقضاء
الخاتمة
وبعد ...
فها أنا ذا أضع قلمي، بعد أن أنهيت الخوض في هذه القضية، كما يضع المحارب سيفه، وقبل أن أفارق القلم أود أن أسجل بعض الأفكار، التي انتهيت إليها من خلال معايشتي لهذا الموضوع.
١ - إن الإنسان مكلف شرعاً بأوامر ونواهي، لا تخلو من المشقة، ولكنها مشقة محتملة، يهون عليه تحملها، كلما ازداد يقيناً بالثواب الأخروي على امتثاله.
٢ - إن الالتزام بالتكاليف الشرعية هو السبيل الوحيد لتحقيق العبودية الصحيحة، والتي هي سبب سعادة المكلف في الدنيا، وفوزه ونجاته في الآخرة.
٣ - القضاء والقدر من متعلقات صفات الكمال، لأنه يستلزم الإيمان بعلم الله الأزلي المحيط بكل شيء، والكتابة في اللوح المحفوظ لما علم من المقادير، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وأيضاً الإيمان بأن الله خالق كل شيء.
٤ - إن الإيمان بالله تعالى، وبكمال عدله، وحكمته، يستوجب الإيمان بما قدر وقضى، وبما أعطى ومنع، وبما أغنى وأفقر، وبما أنعم وابتلى، إذ كل شيء منه، وصائر إليه، لأنه سبحانه عالم وقدير وحكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا لغير حكمة، وإن كانت عقولنا تقصر عن الإحاطة بحكم أفعاله، وهو محمود على كل حال.
٥ - يجوز السؤال عن حكم وعلل بعض الأقدار على سبيل اليقين بالقدر خيره وشره، لا على سبيل الاعتراض والشك، فإذا وصل الأمر إلى المراء والجدال، فالإمساك عندئذ واجب.
٦ - إن الله تعالى هدى المكلفين جميعاً إلى الحق والخير، ومنحهم العقول التي يميزون بها، والقدرة التي يفعلون بها، وبين لهم عاقبة أعمالهم، خيراً أو شراً، فمن استحق العقاب فبعدله، ومن نجا فبإعانته وفضله، ولا حجة لأحد على الله، بل له الحجة البالغة على خلقه.
٧ - إن الله تعالى عادل لا يظلم أحداً، وإن كان الظلم مقدوراً له، ولكن الله لا يفعله، بل حرمه على نفسه، وعلى خلقه، فلا يضل إلا من استحق الضلال، ولا يهدي إلا من استحق الهدى، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
٨ - المكلف فاعل لفعله حقيقة ومختار له، وليس في القدر السابق إكراه، أو اجبار على الفعل أو الترك، لذا كانت المسؤولية والجزاء على أفعال المكلف الاختيارية تامة وعادلة.
٩ - إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي المكلف من تبعة مسؤوليته عن أعماله، فلا يحتج بالقدر السابق على الذنوب، ولكن إذا أصابته مصيبة، نظر إلى القدر الذي مضى عليه، صابراً وملتجئاً إلى ربه، قائلاً: حسبنا الله ونعم الوكيل.
١٠ - الأخذ بالأسباب لا ينافي القدر والتوكل، بل هي جزء منه، ولكن إذا وقع القدر وجب الرضا به والتسليم له، وأما قبل أن يقع فإن سبيل المكلف هو الأخذ بالأسباب المشروعة، ومدافعة الأقدار بالأقدار.
١١ - إن ما يصيب المكلف من قدر الله الكوني ألطاف الله وعنايته به، وهو في خير على كل حال، فإن أصابه خير شكر الله على ذلك، معتقداً أن هذا لطف من الله وفضل، وإن أصابه شر صبر معتقداً أنه لطف أيضاً، فهو إما رفع لدرجاته، وإما تكفير عن سيئاته، وفي كلا الأمرين خير له.
١٢ - إن دخول الشر في القضاء الإلهي، لا يتعدى أن يكون شراً بالنسبة للمخلوق، لأن الشر إنما هو الذنوب وعقوباتها، في الدنيا والآخرة، فهو شر بالإضافة إلى العبد، وأما بالإضافة إلى الله تعالى فكل ما يقدره خير، فإنه صادر عن علمه وحكمته، وما كان كذلك فهو خير محض بالنسبة إلى الرب سبحانه، لذلك لا يضاف الشر إلى الله – وإن كان خالقه -، وإنما يضاف إلى المخلوق باعتبار أنه متسبب فيه.
١٣ - حسن الأفعال وقبحها أنواع: فبعضها يشتمل على مصالح ومفاسد ذاتية، يمكن للعقل إدراكها، وبعضها أفعال أنشأ الشرع أحكامها تحسيناً أو تقبيحاً، ورتب عليها الثواب والعقاب، وقد يعجز العقل عن إدراكها، وهناك أفعال أخرى يرجع حسنها إلى نفس الأمر، وليس إلى الفعل المأمور به، وإنما القصد من هذه الأفعال اختبار الله تعالى للمكلف.
١٤ - تتنوع مصادر معرفة الخير والشر في الإسلام بتنوع موضوعات المعرفة ذاتها، فمعرفة العبد ربه، وتنظيم علاقة الإنسان بغيره مصدره الشرع، وأما المعرفة المتعلقة بالقوانين العلمية التي تسير الأشياء المادية والطبيعية وفقها، فمصدرها العقل المسترشد بنور الشرع ومقاصده.
هذا وآمل أن أكون قد أسهمت في تجلية وتوضيح هذه الأفكار، كما سبق أن وعدت في البداية، ورجائي لكل من قرأ هذا البحث أن يسدد ما به من خلل، أو يستر ما به من زلل، والمعصوم من عصمه الله سبحانه وتعالى.
وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب في أقوالنا وأعمالنا، ويوفقنا للخير في كل مقاصدنا، وأن يجعل عملنا خالصاً متقبلاً، إنه سميع مجيب.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.