للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها]

المؤلف/ المشرف:علال الفاسي

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:دار الغرب الإسلامي - بيروت ̈الخامسة

سنة الطبع:١٩٩٣م

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:مقاصد الشريعة

خاتمة الكتاب

تلك هي مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها فصلنا منها ما تتوقف عليه حاجة الطالبين وما تدعو إليه تذكرة الراغبين، من أسرار الشرع الحنيف، ومعالم الفقه البينة، وكل أملنا أن يكون طلبتنا قد وعوا منه ما سمعوه، وأدركوا من محاسن قانوننا السماوي سره الذي يهدي للحق وإلى صراط مستقيم.

ولقد مضى على المسلمين حين من الدهر نسوا ما ذكروا به وذهلوا عما يحتوي عليه دينهم من هدى ومن إرشاد واتبعوا ما تملي شياطين الاستعمار من آراء وتشريعات لا قبل لهم بها، ولا اقتناع لعقولهم بمغازيها، ولا تمثل من مجتمعهم شيئا، وإنما هي إنقاض لحضارات متباينة مع حضارتهم، أرغموا على قبولهم بالحديد وبالنار، وبالضغط الفكري الذي يتمثل في هذه المدارس الأجنبية والبرامج الأعجمية.

وإن الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين لم يحدث من الخراب في الأرض وفي الأجسام ما أحدثه في العقول والقلوب والأفهام.

فقد أصبح المسلمون بما تسرب إلى بواطنهم يجهلون أنفسهم ولا يعرفون من حقيقة أمرهم شيئا. واختلفوا باختلاف عدوهم، فمنهم من يؤمن باليمين ومنهم من يؤمن باليسار ومنهم من يظل فارغا من كل عقيدة ومجردا من غير التبعية في الهوى وفي الشهوة، فكان عاقبة أمرهم أن تسلطت عليهم هذه الحكومات البوليسية في كل مكان تصليهم ظلما، ولا تألوهم اضطهادا وهضما، فإذا انتبهوا وظنوا أنهم قادرون على أن يقاوموا الجور وينازلوا الطغيان، جاءهم من فكر الغرب ما يوجههم نحو طغيان آخر واضطهاد جديد، وسيبقون كذلك ما داموا ينشدون العدل من غير الإسلام، والصلاح من غير القرآن؛ وقد صدق مالك حين قال؛ (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) فعسى أن يتنبه طلبتنا، والدارسون للقانون والأخلاق منا، والمتيقظون على العموم، إلى أن الفقه الإسلامي وحده الكافي لعلاج المجتمع، والأخلاق القرآنية وحدها المحققة لتوازن القوى وتعادل الوحدات الاجتماعية في البر والتقوى، فيتقدمون إلى دراسة الفقه، واستخلاص أسراره، وإلى الأخلاق واستنباط جماعها ومعالمها، ثم يشرحون ذلك لإخوانهم. ويبلغونه لجمهور الأمة التي لا تنتظر إلا من يخاطبها بما يوافق قبلها ويعيد وعيها. ثم يجاهدون جهاد الأبطال لإقرار شريعة الإسلام قانونا للدولة، وأخلاق القرآن معيارا للشرف والفضيلة والقيم الاجتماعية.

وأنهم متى فعلوا سيجدون من الاستجابة في الشعب والتأييد من عقلاء الأمة وفلاسفة الدنيا ما يشجعهم ويقوي عزمهم ويثبتهم في مواقفهم.

فأما عقلاء أمتنا فما زالوا يتألمون من هجوم الاستعمار الفكري عليهم، ومازالوا يحللون مع أنفسهم أسباب الانحطاط الذي أصاب بلادهم وقومهم فلا يردونه إلا إلى إعراض الكل عن شريعة الإسلام وتعاليمه الحق. وهم مؤمنون بأن الخير كل الخير لهم ولذويهم في العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهم مستعدون ليكونوا حواريى كل داعية يدعو إلى الحق، وإلى نصرة الشرع.

وأما المثقفون ثقافة غربية من أبناء قومنا فهم مقتنعون بأن الفكر الغربي هو كل شيء والقانون الأجنبي هو المثل الأعلى، ولكن عذرهم أنهم لم يدرسوا الفقه الإسلامي ولا تعرفوا إلى مصادره ولا تعمقوا أسراره ومقاصده، وهم ولا شك مستعدون متى ما وجدوا من ينصبون أنفسهم لتوعيتهم وإرشادهم لأن يستجيبوا، وهم أقدر على المقارنات والمقابلات التي تريهم مزايا الفقه الإسلامي وتفوقه على كل القوانين.

<<  <  ج: ص:  >  >>