للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما فلاسفة الدنيا وعظماء الغرب فقد سبقوا بعقلهم وإنصافهم إلى إدراك ما في الشرع من محاسن ومميزات لم يصل إليها غيره من القوانين، وشهدوا أن كل من يهمه الإنصاف والعدالة لا مجرد المساواة والعدل، يجب أن يستمد من شريعة الإسلام وأخلاق القرآن، وسننقل هنا بعض هذه الشهادات لتكون عونا لمن لم يدركوا الحقيقة، ومن لا يزالون تحت عقدة النقص أمام غيرنا. والا فان فقه الإسلام ومقاصد الشريعة لا يحتاجان إلى دليل خارجي لإثبات تفوقهما وامتيازهما.

يقول الاستاذ جيبون:

إن الفقه الإسلامي مسلم به من حدود الأقيانوس والأطلانطي إلى نهر الفانج بأنه الدستور ليس لأصول الدين فقط ... بل للأحكام الجنائية والمدنية، وللشرائع التي عليها مدار حياة نظام النوع الإنساني وترتيب شؤونه:

وقد أهاب مسيو لاكازيلي المشرع الايطالي بالعالم كله ان يستمد قانونه من الشرع الإسلامي لأنه حسب قوله أكثر تمشيا مع روح الحياة القانونية. وقد قرر مؤتمر لاهاى للقانون المقارن المنعقد سنة ١٩٣٢: اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر القانون العالمي).

وقال العلامة جيب في كتابه (وجهة الإسلام) لا يزال الإسلام يسلك سبيلا وسطاً بين المتناقضات الشديدة. وهو على معارضته لفوضى القومية الأوربية وللنظام العسكري لروسيا الشيوعية، لم يقع بعد عرضة للهجمات الاقتصادية الملحة التي تمتاز بها أوربا وروسيا.

وقال صديقنا المرحوم الأستاذ ماسينيون:

للإسلام الفضل في أنه يمثل لنا فكرة عادلة مما يقوم به كل فرد من أبناء الوطن بدفع عشر ربع الأرض للخزانة العامة. أنه يشن الغارة على المبادلة المطلقة، وعلى رأسمالية المصارف. وقروض الدولة والضرائب غير المباشرة على الأشياء ذات الأهمية الجوهرية. ثم هو يؤكد حقوق الأب والزوج والملكية الفردية ورأس المال التجاري. ونراه هنا يقف مرة في مكان وسط بين الرأسمالية البورجوازية، وبين الشيوعية البولشفية.

ولكن لا تزال للإسلام رسالة يؤديها من أجل الإنسانية، ولا يوجد مجتمع سجل له من النجاح في أن يجمع بين كثير من الأجناس المختلفة وإن سوى بينهم في العمل والمكانة وتهيئة الفرص كما سجل الإسلام.

وإن الجماعات الإسلامية العظيمة، في إفريقيا والهند، وأندونسيا؛ والجماعات الإسلامية الصغيرة في الصين، والجماعات الصغرى في اليابان؛ لتبين جميعا أنه لا تزال للإسلام القوة على أن يتألف العناصر التي لا سبيل إلى التوفيق بينها بسبب الجنس والتقاليد.

وإذا لم يكن بد من أن يحل التعاون محل التضامن بين المجتمعات العظيمة في الشرق والغرب، فإن وساطة الإسلام شرط لابد منه، لأنه في يده إلى حد كبير حل المشكلة التي تواجه أوربا في علاقاتها مع الشرق.

وإن اتحدا زاد الأمل زيادة لا حد لها في بلوغ نتيجة سليمة.

وقال مستر جون، دي، فو؛ نبرت:

إن محمدا حرم سفك الدماء، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وأقر المساواة، واستنكر الاستبداد، ومنح الإنسان حقوقه المدنية. فلتتذكر أوربا أنها مدينة بالفضل لهذا الرجل العظيم ( I ).

وإذا فلن ينظر إلينا المفكرون الواعون من الغرب إذا رجعنا إلى ديننا وشريعتنا إلا نظرة التقدير والاحترام.

ومن حسن الحظ أن جماعة مهمة من علماء القانون في العالم الإسلامي، أخذت تدرس الفقه الاسلامى وتؤلف فيه وتبحث على ضوئه مشاكل العصر، وأخذت ترغب في تنظيم مؤتمرات ومجامع لإبراز محاسن الشريعة الإسلامية، وتطوير طريقة عرضها، وأساليب التأليف فيها. وإذا كانت هذه الطائفة ما تزال قليلة العدد ولا زال سلطان القانون المستمد من الغرب والحاكمون بمقتضاه ِ حائلين بينها وبين إنجاز برامجها وتحقيق مقصدها فإنها تبشر بصدق ما أخبر به الرسول عليه السلام من أنه: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى ياتى امر الله.

ولا شك أنهم سينتصرون متى ثبتوا وصبروا وصابروا. لأن الحق معهم وهم رجاله. (وإن حزبنا لهم المنتصرون) وكل أملنا في أن تخرج كل من كليتي الحقوق والشريعة مجازين قادرين على المساهمة بنصيب أوفي في دراسة الشريعة واستجلاء محاسنها وعرضها في ثوب قشيب عصري، يسهل على غيرهم أن يدرسوها ويفهموها.

فإذا كانت هذه المحاضرات التي ألقيت في كل من الكليتين، قد فتحت لطلبتها آفاقا لمعرفة مقاصد الشريعة وأسرارها وأخلاق الإسلام ومكارمه، فإن ذلك خير جزاء لي على ما بذلت من مجهود، والله سبحانه المسؤول أن يوفقنا جميعا لما فيه خير أمتنا وديننا ويسلك بنا وبالإنسانية كلها مسالك النجاة والمعرفة والسلام.

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

<<  <  ج: ص:  >  >>