[آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد]
المؤلف/ المشرف:عبدالله بن محمد السند
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار التوحيد - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:١٤٢٨هـ
تصنيف رئيس:توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:إرجاء - مرجئة
الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وبعد: فإن دراسة آراء المرجئة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أبانت عن حقائق مهمة تتطلب الوقوف معها، والنظر فيها، ومن أهمها:
أولا: أن من أعظم أسباب النجاة الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر في الاضطراب العقدي عند الأمم قديما وحديثا في أهم ما يعتقده الإنسان لا يملك إلا أن يهرع إلى ربه طلبا للسلامة والعافية، باذلا أسباب ذلك والموفق من وفقه الله.
ثانيا: مع وقوع الخلاف في الأمة، وفي أهم الأصول، واضطراب الأقوال واختلاطها، حتى صعب على الكثير التمييز بين الحق والباطل إلا أن رحمة رب البريات واسعة، حيث يختار من عباده من تحصل على يديه النجاة. وقد كان ذلك الداعي في قرنه هو الإمام شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمة الله عليه، فقد كشفت الدراسة عن مدى ما منّ الله به عليه من دراسة واسعة بالقول الحق أولا، وبالقول المخالف ثانيا، ثم القدرة على رد الباطل ومناقشة أصوله الفاسدة، وشبهه المتنوعة، ولا ريب أن من لطف الله تعالى على عباده تسخير هذا الإمام لهذه المهام العظام. وقد كشفت الدراسة أيضا عما تحلى به هذا الإمام من إنصاف وتقوى في نقضه للأقوال الباطلة بردود علمية محكمة، وجوابات علمية مسددة.
ثالثا: لا يجد الناظر في مؤلفات شيخ الإسلام بحمد الله شيئا من التناقض، أو اختلاف الأقوال، ولو أن الباحث في كتب شيخ الإسلام كان طالبا الحق، متجردا في بحثه، وقام بضم كلام شيخ الإسلام لبعض، وترك التشهي في انتقاء الجمل، لظهر له الحق في أنصع مظاهره، ولكن من بحث وهو يريد تقرير حكم معين، فلا يلومن إلا نفسه، وليتق الله ربه، ولا يحملن شيخ الإسلام ما لم يقله، فإنه واقف له غدا أمام من لا يظلم مثقال ذرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعا: اتفاق السلف على ذم الإرجاء وأهله، ووقفتهم الصادقة في ذلك، وعدم محاباتهم لأحد كائنا من كان، فمن وقع في الإرجاء وجب التحذير منه، وذم مقالته، كل ذلك مع العدل، والإنصاف، وعدم بخس الناس أشياءهم، فسلوك هذا المنهج من أعظم وسائل نصرة الدين.
خامسا: تبين أن القول بالإرجاء كان مقابلا للقول بالتكفير، وهذا ما يسمى بردود الأفعال، ومرده تسرع الفريقين - أهل التكفير وأهل الإرجاء - في إطلاق الآراء قبل التأمل والنظر، مع ضعف في فقه النصوص، وجرأة على التصدر، وحب الظهور، وعدم الصبر، وترك الرجوع إلى الراسخين في العلم، وكأن الناظر في ذاك الزمان وهذا الزمان يقول: الواقع يعيد نفسه، والله المستعان.
سادسا: الإرجاء نعت يدخل فيه كل من أخرج العمل من الإيمان، وما عدا ذلك من المخالفات المتعلقة بالإيمان، فهي إما أن تكون راجعة لهذا الأصل، أو يقول بها من يقول إن الإيمان قول وعمل فلا يعد مرجئا، فالمخالفة الحقيقية عند المرجئة هي فيمن لم يأت بالعمل.
سابعا: قد تشتهر بعض المقالات، ويظهر البحث والتحقيق عدم دقتها، ومن ذلك اشتهار القول بأن المرجئة هم الذين يقولون لا يضر مع التوحيد ذنب. وقد أثبتت الدراسة أن هذه المقالة لا يكاد قائلها، وأن عامة المرجئة يوجبون الأعمال، ويقولون إن تاركها معرض للوعيد، وإن أهل الذنوب مستحقون للذم والعقاب، وإن كانوا عندهم مؤمنين كاملي الإيمان.
ثامنا: أظهرت الدراسة أن عامة ما صنف في كتب المقالات لا يكفي في إعطاء صورة واضحة عن الفرق، وأن الباحث يحتاج إلى النظر في كتب المحققين، وعلى رأسهم شيخ الإسلام رحمه الله، فإن الناظر فيما صنف عن مقالات المرجئة في أشهر كتب المقالات لن يستغني عن النظر فيما جاء عند شيخ الإسلام، فقد حوت شروحا، وردودا، ودقة، وإنصافا لا تجده عند غيره.
وبعد هذا كله، فما تقدم نقاط سريعة في أهم ما انتهى إليه البحث، وما بقي سوى سؤال الرب تبارك وتعالى في أن يبارك فيه، ويقبله عنده، ويغفر ما حصل فيه من زلل، وينفع به عباده المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.