[ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية]
المؤلف/ المشرف:محمد سعيد رمضان البوطي
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:مؤسسة الرسالة - بيروت ̈الثانية
سنة الطبع:١٣٩٧هـ
تصنيف رئيس:أصول فقه
تصنيف فرعي:مصالح ومفاسد
خاتمة الكتاب
وبعد، فهذا ما قد كنت أردت بيانه، من ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية.
وأحسب انها ضوابط متفق عليها، لا مجال للنزاع فيها، فليس من خلاف في أن المصلحة المعتبرة شرعا، ينبغي أن تكون غير مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسوله ولا للإجماع أو القياس الصحيح، وأن لا تكون مفوته لمصلحة مساوية لها أو أهم منها. بل ولا ينبغي أن يكون في هذا أي مجال للخلاف ما دام الاتفاق قائما على أن منبع هذه الشريعة (بما فيها من أصول وقواعد وأحكام) هو كتاب الله وسنة رسوله فكل قاعدة أو أصل أو حكم لابد أن تجده منتهيا إليهما، وما وجدته من ذلك متنكبا عنهما غير موصول السبب بهما، فاعلم أنه دخيل في الشريعة ومزور عليها، مهما رأيته مزوقا بشارات المصلحة والفوائد والمنافع.
وإذا كانت ضرورة انضباط المصالح بما ذكرنا محل اتفاق فينبغي أن يكون ما يترتب عليه محل اتفاق أيضا.
ولقد اتضح فيما مضى، أن من أبرز ما يترتب على ضبط المصالح بما ذكرنا، الأمور التالية:
١ - لا يجوز تخصيص شيء من الكتاب أو السنة بالمصلحة المجردة، لأن الكتاب إنما يفسره أو يقيده أو يخصصه كتاب مثله أو سنة ثابتة، والسنة إنما يفسرها أو يقيدها أو يخصصها سنة مثلها أو آية من الكتاب. والمصلحة العارية عن شاهد من أصل تقاس عليه ليست واحدة منهما، بل هي - بسبب مخالفتها للكتاب أو السنة - تعتبر مصلحة موهومة، وهي إذا باطلة.
ولم يخالف في هذا أحد من الأئمة الأربعة، لا في أصوله وقواعده ولا في فتاواه واجتهاداته الجزئية. وكلما تلقفه بعضهم من ذلك مما يوهم ظاهره أنه تخصيص أو تقييد للنص بالمصلحة، هو في الحقيقة قائم على أساس غير الذي توهموه. ولعل القارئ قد رأى أنني لم آل جهدا في تتبع عامة هذه الجزئيات التي أوهمت البعض أنها قائمة على أساس تخصيص المصلحة للنص، وبيان أنها ليست من ذلك في شيء بالدليل الواضح الذي لا غموض ولا لبس فيه.
٢ - ما شاع من قول بعضهم " تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان " لا يجوز أخذه على ظاهره، لأن ما ثبت بدلالة الكتاب أو السنة أو القياس عليهما، باق مابقي الكتاب والسنة. ولو كان لتبدل الأزمان سلطان على الأحكام وقدرة على تبديلها، لانمحت معالم التشريع وأحكامه منذ عصر بعيد.
ولكن الذين أطلقوا هذه الكلمة أرادوا بها معنى غير المتبادر منها، وهو أن الأحكام التي ربطها الشارع بأعراف الناس وعاداتهم، ينبغي أن تدور مع هذه الأعراف والعادات، بناء على ضرورة اتباع حكم الله في ذلك، وواضح أن هذا ليس إلا استمرار للحكم، وليس ما قد يبدو من التغيير فيه عند تغير متعلقاته إلا ممارسة حقيقية له، كما لو قلنا بوجوب استعمال الماء في رفع الحدث عند التمكن من استعماله وبوجوب التيمم عند عدم التمكن من ذلك.
٣ - على كل من نصب نفسه للاجتهاد والبحث في الأحكام، أن يلاحظ خصائص المصلحة في الشريعة الإسلامية، حتى لا تلتبس عليه هذه المصالح بالمصالح التي ينادي بها أرباب المدنية الحديثة والحضارة المادية الجانحة.
ولقد تسللت كثير من أفكار هذه الحضارة المادية إلى رؤوس كثير من الباحثين بشعور منهم أو بدون شعور، وتكون من ذلك لقاح فكري خطير لديهم، جعلهم ينظرون شطر الغرب ومدنيته، قائلين: هذه مصالح، ثم ينظرون إلى الشريعة وأصولها قائلين: وكل مصلحة فهي مرعية شرعا، ثم يستولدون من هذا اللقاح غير الشرعي نتيجتهم المطلوبة: ويقررون أن معظم أو جميع ما تعصف به علينا رياح الغرب أو الشرق أمور مرعية شرعا.