[مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات]
المؤلف/ المشرف:مريم محمد صالح الظفيري
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:دار ابن حزم - بيروت ̈الأولى
سنة الطبع:١٤٢٢هـ
تصنيف رئيس:فقه
تصنيف فرعي:مصطلحات وحدود وتعريفات ومداخل فنون وأصول بحث
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على أشرف خلقه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن دراسة مصطلحات المذاهب الفقهية أوقفتني على كثير من الفوائد والنتائج التي سأذكر أهمها في هذه الخاتمة:
أولاً: أن الفروق التي وجدت في اصطلاحات الحكم الشرعي بين الجمهور والحنفية أو بين الفقهاء والمتكلمين هي فروق في الألفاظ والمسميات لا يترتب عليها شيء في الفروع الفقهية ويبدو واضحاً ميل الحنفية إلى كثرة التقسيم وتخصيص كل حالة باصطلاح معين، وأيضاً نظرة الأصوليين إلى وصف الفعل قبل أدائه أما الفقهاء فإنهم ينظرون إلى واقع الفعل.
ثانياً: جميع المذاهب اعتمدت الرمز عند العزو للعالم أو الكتاب لكن بتفاوت بين مقل ومكثر، ففي المذهب الحنفي نلاحظ غلبة النزعة العلمية التي قد تصل إلى درجة المبالغة أحياناً على اصطلاحاتهم، وعدم ميلهم للاختصار أو الرمز الحرفي الذي درجت عليه المذاهب الأخرى حيث يكتفون بحرف أو حرفين للإشارة إلى القائل أو الكتاب حتى وصلت درجة المبالغة في الرمز بالحروف إلى ظهور ما يسمى بالفقه المرموز، وربما كان ذلك تأثراً بعصور الضعف العلمي الذي اقتصرت جهود العلماء فيه على تأليف المتون والمختصرات بلغ بها حد الألغاز، حتى احتاجت إلى الشروح والحواشي والتعليقات، فكتاب مغني ذوي الأفهام، شرحه مصنفه في مائة وعشرين مجلداً، ولو كمل لبلغ ثلاثمائة مجلد.
ثالثاً: تتجلى الأمانة العلمية في أعلى صورها، وتحري الصواب في أرقى مراتبه، ذلك عند التصدر للإفتاء، حيث تنتقى أدق ألفاظ الترجيح، لتوسم بها الفتوى، وفي هذا دلالة واضحة على نزاهة وورع سلفنا الصالح، الذين بهم ارتفع صرح الحضارة الإسلامية.
رابعاً: تختلف ألفاظ التشهير أو علامات الإفتاء من مذهب إلى آخر سواء كان من حيث استعمال اللفظ أو من حيث معناه، فلفظ الصحيح يأتي في المذهب الشافعي للترجيح بين أوجه الأصحاب، بينما يقصد به في المذاهب الأخرى ما قوي دليله، ولفظ الظاهر يعني ما تبادر إلى ذهن المجتهد من الدليل في المذاهب الثلاثة، بينما في المذهب الشافعي هو ما قوي دليله، كذلك جميع المذاهب تعتمد القياس في الفتوى، فيقولون الأشبه كذا بينما يعبر الحنابلة عن ذلك بالأقيس.
ولفظ المشهور هو ما كثر قائلوه عند الحنابلة والمالكية، أما عند عامة الشافعية فيستعمل للترجيح بين أقوال الشافعي فقط.
خامساً: أن الشافعية يفرقون في الترجيح بين أقوال الإمام الشافعي وأوجه الأصحاب وطرق نقل المذهب فلكل منها ألفاظ خاصة، فيستعلمون للترجيح بين أقوال الإمام الشافعي: الأظهر، والمشهور، وللترجيح بين أوجه الأصحاب: الأصح، والمختار، والصحيح، والصواب، أما لطرق نقل المذهب والترجيح بينها فيستعملون لفظ المذهب.
سادساً: بعد عصر الأئمة المجتهدين، وبعد الزمن بينهم وبين عصر المتأخرين، وبسبب تعدد الروايات عنهم، واختلاف طرق النقل، وتصدر للإفتاء من ليس أهلاً له، كثرت الفتاوى واختلط الصحيح بالضعيف، ظهرت الحاجة إلى تنقيح المذهب وتصحيحه وبيان الراجح من الخلاف وضبط الفتاوى بأصول المذهب، وقوة الدليل إلا ما ساغ عليه العمل مراعاة لظروف الناس وأعرافهم، كما أن رغبة بعض أمراء المسلمين لمعرفة الصحيح من السقيم ليحفظوا للناس دينهم، هبَّ من كل مذهب مخلصوه فعمدوا إلى الفتاوى، وبينوا الصحيح من المذهب والمشهور وما عليه أكثر الأصحاب، فكانت علامات الإفتاء والتشهير للدلالة على درجة الفتوى من حيث القبول أو الرد.
سابعاً: ارتبطت نشأة كل مذهب بظروف خاصة أثرت على لغة المذهب واصطلاحات الفقهاء، فوجود الإمام مالك في المدينة وموقفه من علم أهلها كانت له اصطلاحاته الخاصة، وانتقال الإمام الشافعي من العراق إلى مصر له أثره على ألفاظ فقهاء المذهب، وعدم وجود مؤلف مستقل للإمام أحمد في الفقه وتوجه الأصحاب لنقل فتاواه وأقواله وكذلك زهد الإمام وورعه كل ذلك أثر في المذهب باصطلاحات ميزته عن بقية المذاهب.