[العرف والعادة في رأي الفقهاء - عرض نظرية في التشريع الإسلامي]
المؤلف/ المشرف:أحمد فهمي أبو سنه
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:بدون ̈الثانية
سنة الطبع:١٤١٢هـ
تصنيف رئيس:أصول فقه
تصنيف فرعي:عرف وعادة
الخاتمة
كلمة عن أثر العرف في التشريع وهل يمكن عده من أسباب الخلاف
ذكرت آثار العرف المختلفة في غضون ما تقدم من الموضوعات. وأختم هذا البحث بإجمال هذه الآثار، كلها آيات بينات على سماحة التشريع وتوسعته على الناس وصيانته للحقوق. ويمكن حصرها في اثني عشر.
الأول: إقرار التشريع للعرف القائم في الأمة لصلاحه واستقامته، ولما في هذا من التيسير على المكلفين، كما كان من إقرار الكتاب والسنة لبعض العوائد العربية كالبيع والمضاربة والمكافأة بين الزوجين، وإقرار المجتهدين لبعض العوائد في البلاد المفتوحة من أمتي الفرس والرومان وغيرهما كتدوين الدواوين وبعض الشروط في البيع.
الثاني: جعله دليلاً على مشروعية الأحكام ظاهراً، وهو في الواقع ليس بدليل، بل الدليل أصل من أصول الفقه، لكنه اكتسب اسم العرف لأنه هو العامل على وجوده كالإجماع العملي وبعض المصالح المرسلة، أو لأن التعامل جرى على ما أفاده الدليل من قرآن، أو سنة أو إجماع أو قياس.
الثالث: جعله علة ظاهرة للحكم كما في الإجارة، فإن علة صحتها الظاهرة في غير مورد النص هي العرف، والعلة الحقيقة هي الحاجة.
الرابع: جعله مقياساً يرجع إليه في تطبيق الأحكام المطلقة كالنفقة والمعيار في الربا وما تحصل به الرؤية الموجبة للخيار في البيع، وتأثيره في هذه الناحية واسع قوي.
الخامس: تأثيره في تكوين الحكم الذي يستنبطه المجتهد أو يخرجه المفتي، كما أظهر هذا في بيع النحل وصبغ الثوب المغصوب باللون الأسود.
السادس: تأثيره على الأدلة الشرعية بالتخصيص والتقييد كالاستصناع وبيع الثمار عند وجود بعضها دون البعض، ولكن الأثر في هذه الحالة منسوب إليه في الظاهر، والواقع أن التأثير لأصل شرعي يكافئ الدليل المعارض له أو يترجح عليه.
السابع: أن النص قد يكون معللاً بالعرف أو بعلة مرجعها إليه، ثم تتغير العلة بتغيير العرف، فيظهر تغير الحكم الذي تضمنه النص. فمثال الأول: ما روي عن أبي يوسف من بناء المأثور في معيار الربا على العرف. ومثال الثاني: قضاؤه ? بالدية على عصبة القاتلة فإنه معلل النصرة التي يرجع في معرفتها إلى العرف، وقد كانت في عهده ? بالعصبة، ولما كانت في عهد عمر بالديوان، لتغير العرف، جعلها عمر على أهله.
الثامن: أن يكون سبباً لعدول عن ظاهر الرواية من المذهب، وسبباً كذلك للترجيح بين أقوال الأئمة التي استنبطت بوجه شرعي صحيح. وهذا منصب العالمين بمباني الأئمة أصحاب المذاهب والمتأهلين للنظر فيها، أما غيرهم فليس لهم إلا نقل ما رجحه الفقهاء في الكتب المعتبرة بطريق الرواية، وهذه ناحية تحدث بأفصح لسان عن خصوبة الفقه وفتوته وجدارته للحكم بين الخلق متى كانوا وأين كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتقع ألسنة الذين يجاهرون بالباطل في بلاد الإسلام ويرضون بغير حكم الله.
ولعمري إن الفقه لا يبلغ مثله الأعلى إلا بالقضاء بأحكامه، لأن فيه وفيما يقوم حوله من المرافعات وعرض الخصومات مواجهة لمشاكل الحياة ومعرفة ما يجعلها من نظريات الفقه وآراء الفقهاء، ففي القضاء تكميل للفقه بترجيح الآراء التي تضمن المصلحة، وتخريج الأحكام التي تستدعيها الظروف الحادثة، وقد فصلت فيما تقدم أنواع العرف الأربعة، وشرحت معنى اعتبار الفقهاء لها، وكلها صالحة في هذا العصر الذي انتعش فيه الفقه لجعلها مبنى للأحكام.
التاسع: أنه يرجع إليه. في فهم معاني الكتاب والسنة بما هو المعهود عند العرب في مخاطباتهم ومعاملاتهم.