للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من أثر إقرار هذا المبدأ – اعتبار العرف – وغيره أن زخر الفقه الإسلامي على مر العصور بشتى الحلول لما استجد ويستجد من القضايا بين الناس ولما يتطلبه التطور الحضاري بما يصاحبه من التعقيد وتشابك الأمور، ولم يقف هذا الفقه عاجزاً عن حل أية قضية في يوم من الأيام، رغم انتشاره في بيئات مختلفة الظروف والمناخ، وتطبيقه على أكبر مساحة من الأرض عرفها دين من الأديان، الأمر الذي يمكن القول معه أن الشريعة الإسلامية لاحظت تأثير المناخ في تشكيل العادات التي تحكم تصرف الإنسان قبل أن يعرفها ويقول بها منتسكيو في روح القوانين بمئات السنين.

وخلاصة القول إن الفقه الإسلامي قد ازدهر على مر العصور وكان من جملة أسباب ازدهاره مراعاة العرف حتى يمكن القول إن الثروة الفقهية الإسلامية تعد – بحق – أكبر ثروة فكرية عرفها الإنسان – وبخاصة – في مجال الفقه. وقد ذكرنا طائفة من الأحكام المبنية على العرف أو المحال عليه الفصل فيها في ما تقدم من هذا البحث.

وأخيراً وبناء على ما تقدم فإنني: أقرر أمرين، الأول أن العرف – متى استكمل شرائطه – مصدر أساسي من مصادر التشريع الإسلامي تبنى عليه الأحكام، ويستعان به في التوصل إلى الحق، ومعرفة مقاصد الناس في عقودهم التبادلية، وأيمانهم ووصاياهم ومقاصدهم في جميع معاملاتهم.

الثاني: أنه من الأفضل لهذه الشريعة أن تتوازى فيها الرخص والعزائم دون التركيز على أي منهما دون الأخرى، وإذا كان لابد من تغليب إحداهما على الأخرى في بعض المجالات، فليكن التركيز على العزائم في العبادات، وعلى التيسير والسماحة في المعاملات.

وما من شك في أن في العمل بالعرف: أحد مظاهر السماحة والتيسير في هذه الشريعة، وهو الأمر الذي طلبه محمد صلى الله عليه وسلم وأوصى به أتباعه بقوله: " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ". وما احتواه هذا البحث، عن طريق إثبات حجية العرف، وذلك لما في العمل به من رفع الحرج عن هذه الأمة التي خاطبها ربها بقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}

<<  <  ج: ص:  >  >>