الثاني عشرـ بيان تفصيلي لإثبات أن سدّ الذرائع موجود في كل المذاهب من النظر والاجتهاد.
مقترحات على ضوء تجربة البحث:
١ـ الظاهرة الواضحة في علماء الشريعة الأقدمين: أنهم كانوا يُلمون بموضوعات المسائل، وأبواب الأحكام، جملة وتفصيلاً، ويعرفون بالخبرة مظانّ المسائل، ومواطن البحث، في المراجع التي كانوا يتداولونها، فلم يكن يعوزهم الدليل المرشد، إلا في ابتداء التحصيل، وفي مقدمة الشروع في طلب العلم، كما كان الواحد منهم، يُلم بموضوعات شتى، وفنون متعددة، ويتقنها إتقان المتخصص، ويبحث فيها بحث الخبير المدقق، بفضل ما آتاهم الله من بركة في الوقت، واستقامة على أحسن مناهج الخير، مع الخُلق، والدين, والإخلاص لرب العالمين، لكنّ الحال قد تغيرت في هذه الأيام، تغيراً كبيراً ـ وتعقّدت حياة الناس تعقداً ملموساً، فلم يعد هَمُّ الباحث ينصرف فيها إلى الإحاطة بكل ما يقرأ، بمقدار ما يهمه جمع الأفكار المتعلقة بموضوع واحد، فيقرأ ما يتصل به، ويدع ما عداه، وليست المراجع التي بين يديه، معدة له على هذا الأساس، وإنما ألّفَها أصحابها ليقرأها طالبها من أَلِفِهَا إلى يائها، ولذلك لم يهتموا بوضع فهارس تفصيلية، تساعد المطالع على تتبع الموضوعات في مظانها، بيسر وسهولة، ولهذا كان من الضروري أن تتجه جهود العاملين في حقل الشريعة إلى إحياء التراث القديم، الذي يفيض بالخير، ويُمدّ الباحثين بزاد غني من الثقافة والعلم، وذلك بأمرين:
الأول: إحياء المخطوطات القديمة، ونشرها نشراً حديثاً، يسهل سبيل الرجوع إليها، والتعرف على ما فيها، وأخص بالذكر منها: الحاوي للماوردي، والمحيط البرهاني في الفقه، وأصول الجصاص، والبحر المحيط للزركشي، في علم الأصول، لأنها موسوعات في الفقه والأصول، تغني عن كثير من الكتب المتداولة.
الثاني: إعادة طبع التراث من أمهات الكتب المتداولة، بتحقيق جديد، وفهرسة كاملة، لكل موضوعاتها الكلية والجزئية، وأخص بالذكر منها: بدائع الصنائع للكاساني، والمدونة، والأم للشافعي، والمغني لابن قدامة، فإنها من أمهات الكتب والمراجع.
٢ـ وفي سبيل النهوض بهذا العبء أرى أن تتألف بين المشتغلين في عالم الفقه والتشريع، ومن الغيورين على تراث الشريعة، جمعيات علمية، تختص كلُّ واحدة منها بكتاب من التراث، تنظم نفسها، ومواردها، وتجمع مشتركيها لإحيائه ونشره، على أحدث أساليب النشر، وأقرب طرائق العرض، وأدق أسباب التحقيق، ليكون عدة الباحثين، توفر عليهم الوقت الكثير، والجهود المضنية.
٣ـ وفي المكتبات كتب غنية، ومخطوطات مهمة، حبذا لو توجّه عناية طلاب الماجستير، والدكتوراه، إلى تحقيقها مستقلة، أو مع دراسات حولها، تلقي الأضواء عليها، وتقرّبها إلى طالبها، وتحفظها من خطر التلف، والاندراس، ما دامت رهينة في خزائن الكتب، وفيها الكنوز الدفينة، والمعارف الجليلة النافعة.