للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والأمر كما قال شيخ الإسلام بيد أنه قد ورد عن بعض الأئمة المشهورين أنهم كانوا يأخذون الأجرة على التعليم أو الرواية، كما سبق في الباب السابق.

وبناءً على هذا فمن أراد الدرجة العليا والثواب الأكمل فعليه – إن كان غير محتاج لهذه الأجرة وذاك العوض – أن يبتغي بهذه الأعمال الصالحة الثواب الأخروي فقط ما لم يدعوه ذلك إلى الانشغال – بسبب طلب المعاش والتكسب لكفاية وعول نفسه وعياله – عن القيام بهذه الأعمال الصالحة التي هي من فروض الكفاية والتي توانى عنها أكثر الخلق في الأزمان المتأخرة وخاصة في زماننا هذا، والله المستعان وعليه التكلان.

٣ - أنه لابد أن يعلم أن المراد من جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم ليس المراد منها ما أحدثه القراء في الأزمان المتأخرة وخاصة في زماننا وإنما المراد منها القراءة على وجه التعليم أو العلاج الطبي لأن هذا هو المعنى الواضح المفهوم من قراءة القرآن في كل الأحاديث الثابتة التي احتججنا بها على جواز أخذ الأجرة، وأما هذا الذي أحدثه القراء في زماننا حيث يقرءون في المآتم والسرادقات البدعية وعلى القبور ونحو ذلك ويشترطون أخذ الأجرة على ذلك بل ويشترطون المبالغ العظيمة جعلاً وأجرة على تلك القراءة؟؟ فهذا الذي أحدثوه بدعة وزيغ وانحراف، ولم ترد به نصوص تدل عليه من الكتاب والسنة بل تشير النصوص إلى أنه أكل لأموال الناس بالباطل والبدعة، ولم يفعله سلفنا الصالح البتة، بل وأجمع المتأخرون من أهل العلم على ذمه وبدعيته وانحرافه حتى ولو كان بغير أجرة، فكيف لو كان بها؟؟ وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "أكثر منافقي أمتى قراؤها" أهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مختصر الفتاوى المصرية [ص/٥٦]:

"والقراءة على الجنازة مكروهة عند الأربعة، وأخذ الأجرة عليها أعظم كراهة، فإن الاستئجار على التلاوة لم يرخص فيه أحد من العلماء" أهـ.

وقال ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية [ص/٥١٧]:

" ... أما استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت؟؟ فهذا لم يفعله أحد من السلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه. والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف. وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه ... " أهـ.

وسئل العلامة الجهبذ عبدالعزيز بن باز فقيل له:

"ما حكم قراءة القرآن للناس بأجرة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا"؟

فقال:

" ... ، أما إن كان المراد أخذ الأجرة على مجرد التلاوة في أي مناسبة فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم نزاعاً بين أهل العلم في تحريم ذلك" أهـ. كذلك في كتاب: فتاوى وتنبيهات ونصائح [ص/٥١٣]، وانظر أيضاً [ص/٥١٥] إن شئت. هذا وبالله التوفيق والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وقد كان الفراغ من هذا الكتاب في ليلة الخميس الموافقة لـ:

٧/ شوال / ١٤١٢هـ

٨/إبريل/ ١٩٩٢م

والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا الكتاب مؤلفه وناشره وقارئه، وأن يتجاوز عن سيئاتنا وأن يجعلنا من أوليائه المحفوظين. "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

<<  <  ج: ص:  >  >>