الأولى: منطقة النصوص والأدلة. نبهت فيه إلى أننا لسنا في حاجة كبيرة إليه وأنه لاقى حظاًّ كبيراً من الدراسة.
الثانية: منطقة الطاعة والامتثال وقسمت "الاجتهاد الأولوي" فيها إلى قسمين:
ـ اجتهاد في تقديم حكم على آخر في العمل الدعوي.
ـ اجتهاد في تقديم عمل على آخر عند التزاحم.
وهذا المجال هو الذي نحتاج إلى الاجتهاد فيه. لذا دعوته إلى الاهتمام بما سميته "فقه التزاحم".
بعد هذا ذكرت بعض المصادر التشريعية التي تعين على معرفة أولوية أحكام معينة. فتكلمت عن الأولوية القياسية والأولوية الاستحسانية ثم الأولوية المصلحية مدعماً كل نوع منها بكثير من الأمثلة.
وإلى هنا كنت قد قطعت الشوط الأول من البحث، فانتقلت إلى الشوط الثاني منه الذي خصصته للضوابط. وهي ضوابط أحسب أنها مهمة في تسهيل عملية الترجيح والتقديم لعمل علىآخر. وقد قسمتها إلى نوعين بعدما تبين لي أن موضوع الأولويات إنما يتصور في حالتين:
الأولى: حالة التدرج الدعوي والثانية حالة تزاحم الأحكام.
في الحالة الأولى ذكرت ضابطين أساسيين هما:
الفقه بمراتب الأحكام والفقه بالواقع.
في الضابط الأول حاولت أن أضع خريطة لمراتب الأحكام الشرعية. ولا أزعم أنني استوفيت الموضوع حقه بذكر كل المراتب لأن هذا العمل وحده يستحق هو الآخر أن يشكل بحثاً مستقلاً. لذا فإنني أشرت إلى نماذج منها لبيان أن الأحكام الشرعية، ليست علىدرجة واحدة، مما يستلزم استحضارها أثناء العمل الدعوي أو أثناء تزاحم الأحكام. أما في الضابط الثاني فبينت فيه أهمية فقه الواقع بمفهومه الواسع في تحديد الأولويات إلى جانب الفقه بمراتب الأحكام. وجزَّأت هذا الضابط إلى محدِّدات هي:
ـ المحدِّد الظرفي الشخصي الذي يتعلق بأحوال كل شخص.
ـ المحدِّد الظرفي الواقعي الذي يتحرك فيه الداعية.
ـ والمحدِّد الإمكاني الفردي أو الجماعي.
ولتأكيد أهمية هذه الضوابط في تحديد الأسبقيات الشرعية، أرفقتها ببعض النماذج من فروض العصر وأولوياته المتفق عليها والمختلف فيها.
أما في الحالة الثانية، وهي حالة تزاحم الأحكام، فقد حاولت أن أذكر أكبر عدد ممكن من الضوابط. وفعلاً تمكنت من ذكر اثنين وعشرين ضابطاً. ورغم ذلك فلا أزعم أنني استوفيتها. ولكن يمكن القول بكل ثقة أنني ذكرت معظمها وأهمها. وهي ضوابط مهمة جداً في معرفة ما ينبغي أن يقدّم، خصوصاً وأننا نعيش في عصر كثرت فيه التزاحمات بين المصالح والمفاسد أو بين الحلال والحرام.
هذه خلاصة مجملة وشريعة لأهم خطوات البحث. ويمكن إجمال أهم ما اهتدّى إليه فيما يلي:
١ـ إبراز أهمية فقه الأولويات في تحركاتنا الدعوية. إذ إغفاله يضر بالدعوة ويعرقل نموها.
٢ـ وضع ضوابط يستنير بها المسلم في معرفة الحكم الأولى بالتقديم عند تزاحم الأحكام في عالم الامتثال.
٣ـ تحديد الضوابط التي تعطي أحقية السبق لنوع من الأحكام على آخر في العمل الدعوي.
٤ـ التذكير بالمراتب الشرعية للأعمال وأهميتها في تغيير المنكر والأمر بالمعروف من جهة وفي توحيد اهتمامات الدعاة ومناهجهم من جهة ثانية.
٥ـ التنبيه إلى خطورة الاشتغال بالأمور الجزئية الهامشية على حساب القضايا الجوهرية التي ينبغي أن تحتل صدارة أولوياتنا.
٦ـ التنبيه إلى المفاسد والشرور التي ابتُليت بها الأُمة وما زالت تُبتلى بها، بسبب غياب فقه الأولويات.
وفي الختام فهذه محاولة بذلت فيها ما أمكن من الوسع والجهد، وهي قطعاً لا تخلو من الزلاَّت والعثرات. فهي بداية والبداية لا تكتمل إلا بما يرفقها من تكميلات. فأسأل الله سبحانه أن يوفقني إلى إكمالها أو يوفق غيري إلى ذلك, وهو الهادي إلى سواء السبيل.
كان الانتهاء من تحريره بعون الله وتوفيقه يوم الأحد مساء ٢٣ رجب الفرد ١٤١٣هـ الموافق ١٧ كانون الثاني/ يناير ١٩٩٣م.