الثالث: المنع مستمر، وهو قول أبي عبيد، والحديث الصحيح صريح فيه، وهو: (نهيت عن زبد المشركين).
وأما مذهب المالكية:
فقال ابن عبد البر: (قبوله – صلى الله عليه وسلم – الهدية من المسلمين والكفار أشهر عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد، ويحرم على الولي أن يستحل على الحق جعلا، فإن أهدي له أحد ممن هو وال عليه، شكرا لخير: يقبل، فإن قبل وضعه في الصدقات، لا في ماله – إلا إن كافأه بقدر ما يسعه أن يتمولها به) انتهى ملخصا.
ولو أهدى كافر قوي له منعة للخليفة أو الأمير، قال سحنون: (لا بأس أن يقبلها وهي له خاصة، وليس عليه أن يكافئه).
وقال الأوزاعي: هي للمسلمين، ويكافئه من بيت المال، وإن كان الكافر في ضعفه؛ ففيه إبطال عزم المسلمين بالهدية: فهي رشوة محرمة.
قال ابن القاسم: لو أهدي للأمير لنحو مودة اختص بها، وأما رده – صلى الله عليه وسلم – هدية عياض وقوله: (إنا لا نقبل زبد المشركين): فيحتمل – إن صح – أن يكون على الوجه الممنوع، وأن المهدى أراد بها إبطال حق من حقوق المسلمين، وإنكاره – صلى الله عليه وسلم – على ابن اللتبية؛ لأنه كان عاملا، وهذه رشوة، فإن عامل الصدقة لا يهدى إليه إلا ليترك حق وجب أو يكف عن ظلم.
وقال ابن حبيب: يقبلها الأمير وتكون للجيش، ولا يردها، واستئثاره – صلى الله عليه وسلم – بهدية المقوقس من خواصه.
وعن مالك في (سرية) يبعثها الوالي فيرجعون بالفواكه فيبعثون إليه، مثل عنب أو تين: لا بأس به – وتركه أمثل، لأنا نكره له قبول مثل هذا في غير الغزو، ووجه إباحته أن مثله لا يهدى إلا للحاجة إليه وعدم وجوده مع تفاهة قيمته هناك).
وقال ابن يونس: (لا يقبل القاضي هدية من أحد، لا من قريب ولا من صديق، وإن كافأه بأضعافها إلا الوالد والولد ونحوهما من خاصة القرابة) قال سحنون: ومثله الخالة والعمة وبنت الأخ).
قال ابن حبيب: (لم يختلف العلماء في كراهة الهدية إلى السلطان الأكبر، وإلى القضاة والعمال، وجباة الأموال – أهداها مسلم أو ذمي من أهل عملهم، وهو قول مالك ومن قبله من أهل السنة. وقبوله – صلى الله عليه وسلم – الهدية من خواصه، ويكره قبولها للقاضي ممن كان يهاديه قبل أن يلي أو من قريب أو صديق أو غيره – ولو كافأه بأضعافه، إلا من الصديق الملاطف – أو نحو: الأب والابن، وقد رد علي – كرم الله تعالى وجهه – خروفا أهدي إليه).
وقال ربيعة: الهدية ذريعة الرشوة، وتحلمة الظلمة).
وقال أشهب: (لا يقبل أمير الجيش هدية من مسلم أو ذمي تحت سلطانه، ويقبل ممن ليس تحت سلطانه، وذمي، وحربي ويختص بها) وكذا عن ابن القاسم.
وقال سحنون: (تختص الرشوة بجائزته ولا بخمس).
وقال ابن حبيب: (ولا يقبل هدية من في علمه، من مسلم أو ذمي إلا من صديق ملاطف، مستغن عنه، وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال، ويضمه إلى ما حيز، وفعله – صلى الله عليه وسلم – في عامل له قال: هذا أهدي لي، فأخذه منه وقال: (هلا جلس في بيت أبيه وأمه؟!، وقال – صلى الله عليه وسلم –: (هدايا العمال غلول) – قال ابن حبيب: وكل ما أفاده وال في ولايته، أو قاض في قضائه من مال سوى رزقه: فللإمام أخذه منه للمسلمين، وكان عمر – رضي الله عنه – إذا ولى أحدا أحصى ماله، وكتبه، لينظر ما يزيد فيأخذه منه، وكذلك شاطر العمال في أموالهم حين كثرت، ولم يستطع تمييز ما زادوه بعد الولاية).
قال مالك: (وشاطر عمر أبا هريرة وأبا موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنهم – حين كثرت أموالهم وخاف أن يكون مما كانوا يرزقونه على الولاية، ولما احتضر معاوية أمر أن يدخل شطر ماله بيت المال تأسيا بفعل عمر – رضي الله عنهما – بعماله، ورجا أن يكون في ذلك تطهير له.