للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرزق من الصدقات إلا السعاة، وأخطأ بنو أمية في إرزاقهم عمالهم منها، ولما ولي عمر بن عبد العزيز وسع في أرزاق عماله حتى كان يفرض للعامل مائتي دينار في شهر ويقول ذلك لهم قليل إن عملوا بكتاب الله.

قال مالك: وإنما ذلك على قدر عمالتهم وكتابتهم – وليس فيه حد.

وأما مذهب الحنابلة:

فقال ابن قدامة في (المغني): (ولا يقبل هدية من لم يكن يهدى إليه قبل ولايته؛ لأن الهدية في الغالب يقصد بها استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه الرشوة).

قال مسروق: (إذا أكل القاضي الهدية: أكل السحت، وإذا أكل الرشوة: بلغت به الكفر) (-أي بالمعنى السابق) – ولأن حدوثها بعد الولاية يدل على أنها لأجلها فحرمت كالرشوة. وله القبول ممن كان يهاديه قبل الولاية، ويستحب له التنزه عنها، وإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومة: حرمت، والرشوة في الحكم، ورشوة العامل حرام بلا خلاف – قال الله – تعالى -: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:٤٢].

وقال كعب: (الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم).

والراشي ملعون – أيضا – إلا إن بذل ليدفع ظلما عن نفسه، كما قال جمع من السلف.

ومتى حرم قبول هدية، لزمه ردها إلى أربابها، ويحتمل أن يجعلها في بيت المال لأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر ابن اللتبية بردها إلى أربابها، قال أحمد: (لو أهدى بطريق لصاحب الجيش، فهي له ولهم) قال ابن قدامة: (وللقاضي أخذ الرزق)، وقال ابن الخطاب: (يجوز مع الحاجة. فأما مع عدمها فلا).

وقال أحمد: (ما يعجبني أن يأخذ على القضاء أجرا؛ وإن كان يتعذر شغله – مثل ولي اليتيم، وكان ابن مسعود والحسن يكرهان الأجر على القضاء).

وأما الاستئجار عليه: فلا يجوز.

وقال عمر – رضي الله عنه -: (لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا).

وهذا مذهب الشافعي – رضي الله تعالى عنه – ولا نعلم فيه خلافا، فإن لم يكن للقاضي رزق فقال للخصمين: لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقا: جاز، ويحتمل ألا يجوز) انتهى.

وفي (محلى) ابن حزم: (وتحرم الرشوة – وهو إعطاء المال ليحكم له بباطل أو يوليه أو يظلم له إنسانا، فيأثم الآخذ وكذا المعطي إلا ليدفع عن نفسه ظلما، وخبر لعن الراشي فيه من ليس بالقوي – أي – ومع ذلك: هو صحيح كما مر؛ والمال باق على ملك المعطي كما أعطي لكافر (في فداء أسير) وكل هذا متفق عليه إلا الأخير فإن قوما قالوا فيه بالملك – وهو باطل) انتهى ملخصا.

ولخص السبكي بعض ما مر من مذهبنا، فقال ما حاصله: (الرشوة حرام مطلقا إجماعا، وللوكيل حكم موكله، ويجب ردها إجماعا أيضا – ثم هي لمالكها إلا على احتمال ابن قدامة أنها لبيت المال، وهذا قد يدل له صنيع الرافعي – أي ومع ذلك المنقول المتفق عليه عندنا أنها لمالكها وإنما الخلاف في الهدية كما مر، ويجوز بذلها إن لم يتوصل لحقه إلا بها، ويحرم على القاضي قبول الهدية عند الخصومة، وكذا حيث لا عادة ولا خصومة، وقيل: يكره، وإن كانت عادة: جاز، وقيل: يحرم.

ومحل التحريم في بلد الولاية، فإن خرج عنها، فوجهان: أقربهما التحريم، وإن كان النص الجواز – أي وهو المعتمد بقيده -.

ولو أرسلها له مع رسول من ليس في ولايته: حرمت – أيضا – إلا على وجه – أي وهو المعتمد – كما مر.

وحيث حرمناها لكونها لأجل الولاية، فهي لبيت المال – على الأصح، وقيل: يردها لمالكها – أي وهو المنقول المعتمد – كما مر أيضا، ومحل الخلاف: إن عرف مالكها، وإلا وضعت في بيت المال على الأصح كما في (الروضة).

<<  <  ج: ص:  >  >>