وإبان (السبعينيات والثمانينيات)، تبلور التيار الإسلامي السياسي في الخليج العربي. وبرزت على الساحة الخليجية تنظيمات إسلامية مسلحة بنظرة شمولية للأحداث، وعمل سياسي – اجتماعي منظم من خلال السيطرة على المؤسسات النقابية، وجمعيات النفع العام، كانت حكراً على القوميين والليبراليين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي حاولت استيعاب بعض التنظيمات الإسلامية، لإبقائها قوة مواجهة التيار الديمقراطي والليبرالي الذي يسود التوتر علاقته بالإسلاميين، والذي وصل أقصى مداه فيما سمي بـ (معركة الاختلاط) في الكويت مطلع السبعينات. مع ذلك ظلت العلاقة بين التيار الإسلامي والأنظمة السياسية في الخليج العربي بين مد وجزر في أغلب الأحيان.
تفاعل التيار الإسلامي في الخليج العربي، مع الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، التي عبر من خلالها عن موقفه ونظرته من تطورات الأحداث، وتأكيده على التمسك بالإسلام وتعاليمه في معالجة تلك القضايا، مثل موقفه من إصلاح المجتمع ومسألة الشورى والديمقراطية، وبعض قضايا المرأة. كما احتلت بعض قضايا العالم الإسلامي حيزاً بارزاً من اهتمامات التيار الإسلامي ورموزه في الخليج العربي، كالقضية الفلسطينية، والغزو الروسي لأفغانستان عام ١٩٧٩، والحرب العراقية – الإيرانية ١٩٨٠ - ١٩٨٨. وأخيراً حرب الخليج الثانية ١٩٩٠ - ١٩٩١.
شكلت حرب الخليج الثانية، الناتجة عن ضم العراق للكويت في ٢ آب ١٩٩٠، محطة أساسية أمام جميع القوى السياسية في منطقة الخليج العربي، بما فيها التيار الإسلامي. فمع انتهاء الحرب ضد الشيوعيين في أفغانستان، التي عدت أحد ميادين الانتعاش الديني للتيار الإسلامي السلفي في الخليج، برزت حالة من الفراغ الجهادي، أعقبها أحداث حرب الخليج الثانية، وانقسام التيار الإسلامي في الخليج العربي، وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية، إلى تيار فقهي رسمي تمثله المؤسسة الدينية الرسمية وتيار إصلاحي دعوي طالب بالعودة إلى جذور المذهب السلفي، في مقابل ما عده انحرافاً في مسيرة المؤسسة الدينية الرسمية عن الخط الذي رسمه الإمام محمد بن عبد الوهاب. ولاسيما بعد الموافقة الرسمية التي منحتها المؤسسة الدينية للقرار الحكومي بالاستعانة بقوات أجنبية في مواجهة النظام العراقي آنذاك. وقد خرج هذا التيار ممن عرفوا بمشايخ الصحوة، أو الصحويين، وهو يتسم بقدر كبير من الحركة والتأثير الاجتماعي. ويمتلك الجرأة في طرح أفكاره ومواقفه من الواقع السياسي والاجتماعي والديني. تمثل ذلك في انتشار ظاهرة أشرطة الكاسيت والمناظرات والمحاضرات التي تنتقد سياسة الدولة الداخلية والخارجية. ثم في تقديمه ما سمي بـ (مذكرة النصيحة) للملك فهد بن عبد العزيز، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية التي عدها البعض مشروعاً لإصلاح الدولة السعودية على أسس دينية. وهذا ما حاولت الدراسة الكشف عنه وتوضيح أبعاده، اعتماداً على الوقائع التاريخية التي تبين دور التيار الإسلامي، بتنظيماته ورموزه كافة، في منطقة الخليج العربي، وتأثيره في المجتمع، بوصفه من أكبر التيارات الفكرية وأقواها في الساحة الخليجية.