للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن القول أن التيار الإسلامي في الخليج العربي، الذي برز بشكل واضح في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يكن طارئاً على المجتمع الخليجي. بل كانت له امتدادات وجذور عميقة داخل ذلك المجتمع تكونت من خلال المتغيرات الفكرية والاجتماعية التي برزت على الساحة الخليجية منذ مطلع القرن العشرين. وعلى الرغم من تلك الخصوصية، فقد تأثر التيار الإسلامي الخليجي بشكل كبير بتنظيمات إسلامية رئيسة، وفدت إلى المنطقة من دول إسلامية أخرى، في سنوات الأربعينات وما تلاها، منها تنظيم الإخوان المسلمين الذي تأسس في مصر، وحزب التحرير الإسلامي في الأردن، وجماعة التبليغ في شبه القارة الهندية، وحزب الدعوة الإسلامية في العراق، والتي ساهمت، إلى جانب التنظيمات الإسلامية المحلية (السنية والشيعية) في تكوين التيار الإسلامي الخليجي، وبلورة نشاطه ومواقعه من تطورات الأحداث السياسية والاجتماعية، داخل منطقة الخليج العربي وخارجها.

يمكن أن نميز مرحلتين في تاريخ التيار الإسلامي في الخليج العربي، موضوع البحث، امتدت الأولى من بعد الحرب العالمية الثانية، إلى حرب حزيران ١٩٦٧ مع الكيان الصهيوني. إذ شهدت الساحة الخليجية في هذه المدة تطورات ومتغيرات سياسية واجتماعية وفكرية، تزامنت مع ازدياد العائدات النفطية في المنطقة، وبروز التيار القومي وانتشاره بعد ثورة ٢٣ تموز/ يوليو ١٩٥٢ في مصر. في هذه المدة تدثرت التنظيمات الإسلامية في الخليج العربي بدثار النشاط الاجتماعي الديني. واقتصر نشاطها على التوجيه والإرشاد الاجتماعي بأسلوب ديني، بعيداً عن السياسة. أما المدة الزمنية الثانية فجاءت على أثر هزيمة المشروع القومي العربي في حرب حزيران ١٩٦٧. وما أعقب تلك الهزيمة من فراغ سياسي وفكري كبير كان مقدراً أن تملأه التيارات السياسية الإسلامية باندفاع منقطع النظير. فشهد عقد السبعينات انتشاراً واسعاً لمظاهر الانبعاث الإسلامي والاحتجاج الديني المسيس، في العالم الإسلامي عموماً، ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص. تزامن ذلك مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، والغزو الروسي لأفغانستان في العام نفسه. وكانت بعض مظاهر ذلك الانبعاث، أقدام مجموعة سلفية متشددة على اقتحام الحرم المكي والسيطرة عليه كخطوة أولى للسيطرة على الحكم في المملكة العربية السعودية وظهور تنظيمات إسلامية أصولية متأثرة بالثورة الإيرانية. أعلنت عن أهدافها في إقامة مجتمع إسلامي ودولة إسلامية، متخذة من الثورة الإيرانية أنموذجاً لها. بلغت ذروة نشاطها خلال انتفاضة المنطقة الشرقية في المملكة، في تشرين الثاني ١٩٧٩. فقد شجع انتصار الثورة الإسلامية في إيران تلك التنظيمات التي وجدت في ما حصل في إيران أنموذجاً يمكن تحقيقه بوساطة الثورة التي تستند إلى الإسلام. فشهدت بعض أقطار الخليج العربي، مثل الكويت والبحرين، محاولات لاغتيال مسؤولين في الدولة، وعمليات تخريبية، ومواجهات مع القوى الأمنية، في إطار محاولات، كتب لها الفشل، لإقامة الدولة الإسلامية.

واستناداً إلى ذلك، اتهمت التنظيمات الإسلامية (الشيعية) المتأثرة كثيراً بإيران، بضعف ولائها الوطني. لكن يمكن القول أنه على الرغم من محاولات التنظيمات الدينية الإيرانية إقامة امتدادات لها في منطقة الخليج العربي، أو على الأقل التأثير في توجهات شيعة المنطقة، إلا أن التيار الإسلامي الشيعي حاول الحفاظ على الهوية الوطنية الخليجية في معظم مواقفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>