وقد ثبت أن الله تعالى يقرر عباده ويسائلهم عن كل ما صدر منهم، ويقيم عليهم الشهود العدول من أنفسهم ومن غيرهم بالعدل الكامل في القصاص بينهم. وأن الجزاء من جنس العمل جزاءً وفاقاً.
وأن العمل نفسه لا يمكن أن يستحق به صاحبه الجنة إذا لم تتداركه رحمة الله تعالى.
٢٤ - أن الميزان العظيم الذي يزن الله به أعمال خلقه هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وقد ثبت ذكر الميزان في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وإجماع الأمة بما لا يدع مجالاً للشك فيه.
وأن المنكرين له أو لصفاته لا دليل لهم، لا من العقل ولا من النقل، وقولهم مردود عليهم، وأن الذي يوزن في الميزان هو العامل والعمل وصحف الأعمال لحكمة يعلمها الله جل وعلا، ينصبه الله جل وعلا ثم يزن أعمال الخلق في كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
وقد جاء كذلك إطلاقه بلفظ الإفراد وبلفظ الجمع، ولذا كان محل خلاف بين العلماء: هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة؟
٢٥ - الصراط الذي أعده الله لعبور الخلق مما ثبت ذكره بلفظه الصريح في السنة النبوية، وفي القرآن الكريم عند بعض العلماء، وعدم ذكره صراحة في القرآن الكريم عند البعض الآخر، الذين قالوا إن ما ورد من ذلك في القرآن فهو احتمال وليس بصريح، كما بينا ذلك.
وأن وصف الصراط بأنه أحد من السيف وأدق من الشعرة هو الوصف الحق الذي ثبت له، وأن من تأول ذلك أو أنكر الصراط فإنه لا حجة له، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجتازه الخلق، وهي من المسائل التي لا مجال للعقل في الخوض فيها، وما قاله العلماء في ذلك فإنما هو مجرد استنباط دون الاستناد إلى نص ثابت.
وظهر كذلك أن مسافة الصراط أمر لا يعلمه إلا الله وأن الأقوال التي قيلت في تحديده تفتقر إلى نص يثبتها.
أما بالنسبة لمرور الخلق عليه جمعيهم أو بعضهم فإنها مسألة خلافية، فقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن كل الخلق يمرون عليه، ومنهم من يقول بعدم مرور بعض الخلق إما إكراماً لهم أو إهانة لهم، والظاهر من النصوص تدل على أن الكل يمر عليه، فينجو أولياء الله ويسقط فيه الكفار، إلا من يلتقطهم عتق النار كما بينا ذلك.
وأما بالنسبة لأول من يجوز الصراط فقد تبين أنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وأن شعار المؤمنين على الصراط: اللهم سلم سلم.
أما بالنسبة لخلق الصراط ووجوده الآن أو عدم وجوده وكذا القول ببقائه إلى خروج عصاة الموحدين أو عدم بقائه فالله تعالى أعلم بحقيقة ذلك، فقد يكون موجوداً الآن، وقد يوجد في يوم القيامة، وقد يبقى إلى خروج عصاة الموحدين فيعبرون عليه وقد لا يبقى.
٢٦ - وظهر لي كذلك أن المؤمنين الذين قد كتبت لهم السعادة يقفون بعد اجتيازهم الصراط على قنطرة دون الجنة ليقتصوا مظالم كانت بينهم، فإذا هذبوا ونفوا أذن لهم في دخول الجنة، وهي ثابتة.
وقد وقع الخلاف في موضعها: هل هي جزء من الصراط وتتمة له، أم هي صراط آخر غير الصراط العظيم المنصوب على متن جهنم؟ وأن الصحيح أنها قنطرة واحدة وليست قناطر متعددة.
٢٧ - وتبين أن الورود الذي ذكره الله بقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} مما وقع الخلاف في معناه بين العلماء، وأن الراجح من ذلك هو القول بأن الجميع يردها ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم، كما أفادته النصوص الثابتة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
٢٨ - تبين أن فئة من الناس يسمون: أصحاب الأعراف، قد تضاربت أقوال العلماء فيهم، وتباينت آراؤهم فيهم، يقفون على الصراط إما إكراماً لهم وإما إهانة لهم، ثم يكون مصيرهم بعد ذلك إلى الجنة.
٢٩ - تبين أن الحوض المورود الذي وعد الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قد ثبت بالسنة المطهرة بلفظه الصريح، وفي القرآن الكريم عند من يسمي الحوض كوثراً، ثم يستدل لإثباته بسورة الكوثر، وأن من أنكره ليس له دليل لا من العقل ولا من النقل، وإنما هو مجرد الاستبعاد فقط.
واتضح أن مسأفة الحوض قد وردت بروايات كثيرة مختلفة، وليس فيها تعارض ولا اضطراب كما رأينا في الجمع بينها، وأن الناس يردون عليه حين خروجهم من قبورهم يشربون منه وهم في الموقف على الصحيح من أقوال العلماء، وقد ميزه الله بمزايا عديدة ولله تعالى القدرة والحكمة على ما يشاء.
٣٠ - الكوثر الذي ذكره الله تعالى هو نهر في الجنة، كما أفادته النصوص الصريحة في ذلك، وأن بعض العلماء قد أطلق تسمية الكوثر على الحوض، والحوض على الكوثر بسبب الاتصال الذي بينهما كما بينا ذلك، وتبين أن الكوثر مما اختص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم تشريفا له دون غيره من الأنبياء كما قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}.
تلك أهم النتائج التي ظهرت لي في هذا الموضع، أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل مني ويثيبني فيما أصبت الحق فيه، وأن يغفر ويتجاوز عما أخطأت فيه، وأن ينفع بهذه الدراسة إنه سميع مجيب.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.