للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه، ومجاهدتها على الطاعات، ودونك طرفًا من خبر ذلك:

قال تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: ١٨].

قال ابن كثير رحمه الله: "أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم" (١).

ويقول السعدي رحمه الله: "وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللًا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرًا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة" (٢).

وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨].

قال قتادة (٣) رحمه الله في معنى قوله تعالى: {فُرُطًا}: "أضاع أكبر الضيعة،


(١) تفسير ابن كثير (٨/ ٧).
(٢) تفسير السعدي (٨٥٣).
(٣) قتادة بن دعامة بن قتادة السَّدُوْسِيُّ، الأعمى حافظ العصر، قدوة المفسرين والمحدثين، وكان من أوعية العلم، ثقة ثبت، قال الذهبي عنه: "وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر -نسأل الله العفو-. ومع هذا، فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له الزلل، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك". وتوفي رحمه الله سنة (١١٨ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٦٩)، البداية والنهاية (١٣/ ٧٦)، الأعلام (٥/ ١٨٩).

<<  <   >  >>